الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ }

{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } ، قرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب: " تؤخذ " بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء، { فِدْيَةٌ } بدل وعوض بأن تفدوا أنفسكم من العذاب، { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعني المشركين، { مَأْوَٰكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلَـٰكُم } ، صاحبكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، { وَبِئْسَ ٱلمَصِيرُ }. قوله عزّ وجل: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة، فإن فيها العجائب، فنزلت:نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف: 3]، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل:ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } [الزمر: 23]، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية. فعلى هذا التأويل قوله: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، يعني في العلانية وباللسان. وقال الآخرون: نزلت في المؤمنين. قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، إلا أربع سنين. وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال: " ألم يَأْنِ " ، ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تخشع: تَرِقَّ وتلين وتخضع قلوبُهم لذكر الله، { وَمَا نَزَلَ } ، قرأ نافع وحفص عن عاصم بتخفيف الزاي، وقرأ الآخرون بتشديدها، { مِنَ ٱلحَقّ } ، وهو القرآن، { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِنْ قَبْلُ } ، وهم اليهود والنصارى، { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأمَد } ، الزمان بينهم وبين أنبيائهم، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } ، قال ابن عباس: مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله، والمعنى: أن الله عزّ وجلّ ينهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر. روي أن أبا موسى الأشعري بعث إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال لهم: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ } ، يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. وقوله عزّ وجلّ: { ٱعْلَمُوا أنَّ ٱللهَ يُحيِى ٱلأرض بَعْدَ مَوْتِهَا قَد بَيَنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * إنَّ ٱلمصَّدِّقِينَ وٱلمصَّدِّقَات } ، قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم بتخفيف الصاد فيهما من " التصديق " أي: المؤمنين والمؤمنات، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي المتصدقين والمتصدقات أدغمت التاء في الصاد، { وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } ، بالصدقة والنفقة في سبيل الله عزّ وجلّ: { يُضَـٰعَفُ لَهُمْ } ، ذلك القرض { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ، ثواب حسن وهو الجنة.

السابقالتالي
2