الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ }

عن عبد الله: ملت الصحابة ملة، فنزلت { ألم يأن }. وعن ابن عباس: عوتبوا بعد ثلاث عشرة سنة. وقيل: كثر المزاح في بعض شباب الصحابة فنزلت. وقرأ الجمهور: { ألم }؛ والحسن وأبو السمال: ألما. والجمهور: { يأن } مضارع أنى حان؛ والحسن: يئن مضارع أن حان أيضاً، والمعنى: قرب وقت الشيء. { أن تخشع }: تطمئن وتخبت، وهو من عمل القلب، ويظهر في الجوارح. وفي الحديث: " أول ما يرفع من الناس الخشوع " { لذكر الله }: أي لأجل ذكر الله، كقوله:إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } [الأنفال: 2] قيل: أو لتذكير الله إياهم. وقرأ الجمهور: وما نزل مشدداً؛ ونافع وحفص: مخففاً؛ والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية يونس، وعباس عنه: مبنياً للمفعول مشدداً؛ وعبد الله: أنزل بهمزة النقل مبنياً للفاعل. والجمهور: { ولا يكونوا } بياء الغيبة، عطفاً على { أن تخشع }؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة وإسماعيل عن أبي جعفر، وعن شيبة، ويعقوب وحمزة في رواية عن سليم عنه: ولا تكونوا على سبيل الالتفات، إما نهياً، وإما عطفاً على { أن تخشع }. { كالذين أوتوا الكتاب من قبل } ، وهم معاصرو موسى عليه السلام من بني إسرائيل. حذر المؤمنون أن يكونوا مثلهم في قساوة القلوب، إذ كانوا إذا سمعوا التوراة رقوا وخشعوا، { فطال عليهم الأمد }: أي انتظار الفتح، أو انتظار القيامة. وقيل: أمد الحياة. وقرأ الجمهور: الأمد مخفف الدال، وهي الغاية من الزمان؛ وابن كثير: بشدها، وهو الزمان بعينه الأطول. { فقست قلوبهم }: صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة.

{ يحيي الأرض بعد موتها }: يظهر أنه تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر الله فيها. كما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة، يظهر فيها أثر الطاعات والخشوع. وقرأ الجمهور: { المصّدّقين والمصّدّقات } ، بشدّ صاديهما؛ وابن كثير وأبو بكر والمفضل وأبان وأبو عمرو في رواية هارون: بخفهما؛ وأبيّ: بتاء قبل الصاد فيهما، فهذه وقراءة الجمهور من الصدقة، والخف من التصديق، صدّقوا رسوله الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن الله تعالى. قال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: { وأقرضوا }؟ قلت: على معنى الفعل في المصدّقين، لأن اللام بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى اصدّقوا، كأنه قيل: إن الذين اصدقوا وأقرضوا. انتهى. واتبع في ذلك أبا علي الفارسي، ولا يصح أن يكون معطوفاً على المصدقين، لأن المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف، وهو قوله: { والمصدقات }. ولا يصح أيضاً أن يكون معطوفاً على صلة أل في المصدقات لاختلاف الضمائر، إذ ضمير المتصدّقات مؤنث، وضمير وأقرضوا مذكر، فيتخرج هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، لأنه قيل: والذين أقرضوا، فيكون مثل قوله:

السابقالتالي
2