الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }

قوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } اراد الله سبحانه ظهور نفسه لعشاقه فخلق أدم على ما كان فى علمه ثم اظهر منه ما غاب عن الوجود من نور غيبته وبيّن انه عالم بما يجرى فى سره وما يوسوس به نفسه وكيف يخفى عليه ما خلقه وهو مبدئه بجوده جلت عظمته من ان يخفى عليه ذرة من العرش الى الثرى الا ترى اوّل الخطاب كيف قال ولقد خلقنا الانسان ذكر الخلق ليعلم المخاطب ان ما توسوس به نفسه ايضا هو مخلوقه وتحقيق الاشارة ودقائق الرمز بيان فيه أن نفسه هو فيظهر ما كان فى مكمن مقاديره الغيبية ولو يرى الانسان نفسه فيرى هو أنه نفسه الا ترى كيف اخبر عن كمال قربه بنعت الاتحاد بقوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ولذلك قال سيد المرسيلن عليه الصلاة والسلام " من عرف نفسه فقد عرف ربه " اذ لا نفس إلا هو. إن فهمت ما قلت والا فاعلم ان الفعل قائم بالصفة والصفة قائمة بالذات فمن حيث عين الجمع ما هو الا هو ولا تظن الحلول فانه بذاته وصفاته منزه عن ان يكون له محل فى الحوادث هذا رمز العاشقين الا ترى الى قول مجنون
انا من أهوى ومن أهوى   انا نحن روحان حللنا بدنا
فاذا ابصرتنى ابصرته   وإذا أبصرته ابصرتنا
قال ابو سعيد الخراز فى قوله ولقد خلقنا الانسان هم قوم صاروا مع الله بلا سبب ولا طلب ولا هرب انه مدركهم وهو معهم يعلم ما فى ضمائرهم ويشهد حركات ظاهرهم الم تسمع الى قوله ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه وقال الواسطى فى قوله ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اى نحن اولى به واحق انا جمعناه بعد الافتراق وانشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح فالاقرب اليه من هو اعلم به منه بنفسه وقال ايضا بى عرفت نفسك وعرفت روحك كل ذلك اظهاراً لنعوت على قدر طاقة الخلق فامّا الحقيقة فلا يحتملها العبد سماعا.