الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

وقوله تعالى: { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } تحقيق لحقية القرآن وأنه من عنده سبحانه إثر بيان بطلان ما اقترحوه على أتم وجه، وصدر بالأمر المستقل إظهاراً لكمال الاعتناء بشأنه وإيذاناً باستقلاله مفهوماً وأسلوباً فإنه برهان دال على كونه يأمر الله تعالى ومشيئته كما ستعلمه إن شاء الله تعالى، وما سبق مجرد إخبار باستحالة ما اقترحوه، ومفعول المشيئة محذوف ينبىء عنه الجزاء كما هو المطرد في أمثاله، ويفهم من ظاهر كلام بعضهم أنه غير ذلك وليس بذلك وهو ظاهر، والمعنى أن الأمر كله منوط بمشيئته تعالى وليس لي منه شيء أصلاً ولو شاء سبحانه عدم تلاوتي له عليكم وعدم إدرائكم به بواسطتي بأن لم ينزله جل شأنه علي ولم يأمرني بتلاوته ما تلوته عليكم.

{ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ } أي ولا أعلمكم به بواسطتي والتالي وهو عدم التلاوة والإدراء منتف فينتفي المقدم وهو مشيئته العدم وهي مستلزمة لعدم مشيئته الوجود فانتفاؤه مستلزم لانتفائه وهو إنما يكون بتحقق مشيئة الوجود فثبت أن تلاوته عليه الصلاة والسلام للقرآن وإدراءه تعالى بواسطته بمشيئته تعالى. / وتقييد الإدراء بذلك هو الذي يقتضيه المقام وحيث اقتصر بعضهم في تقدير المفعول في الشرط على عدم التلاوة علل التقييد بأن عدم الإعلام مطلقاً ليس من لوازم الشرط الذي هو عدم مشيئة تلاوته عليه الصلاة والسلام فلا يجوز نظمه في سلك الجزاء، ولم يظهر وجه الاقتصار على ذلك وعدم ضم عدم الإدراء إليه مع أن العطف ظاهر فيه، وفي إسناد عدم الإدراء إليه تعالى المنبىء عن استناد الإدراء إليه سبحانه أعلام بأنه لا دخل عليه الصلاة والسلام في ذلك حسبما يقتضيه المقام أيضاً.

وفي رواية أبـي ربيعة عن ابن كثير { ولأدراكم } بلام التوكيد وهي الواقعة في جواب { لَوْ } أي لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري على معنى أنه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به لأرسل به غيري، وجيء باللام هنا للإيذان بأن إعلامهم به على لسان غيره صلى الله عليه وسلم أشد انتفاء وأقوى، ولعل { لا } في القراءة الأولى لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع وإلا فهي لا تقع في جواب { لَوْ } فلا يقال: لو قام زيد لا قام عمرو بل ما قام، ومن هنا نص السمين على أنها زائدة مؤكدة للنفي. وروي عن ابن عباس والحسن وابن سيرين أنهم قرأوا { ولا أدرأتكم } بإسناد الفعل إلى ضميره صلى الله عليه وسلم كالفعل السابق، والأصل ولا أدريتكم فقلت الياء ألفا على لغة من يقلب الياء الساكنة المفتوح ما قبلها ألفاً وهي لغة بلحرث بن كعب وقبائل من اليمن حتى قلبوا ياء التثنية ألفا وجعلوا المثنى في جميع الأحوال على لفظ واحد وحكى ذلك قطرب عن عقيل.

السابقالتالي
2 3