الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }

{ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } ممن اخترعه أو المتابع له { قُلْتُمْ } تكذيباً له وتهويلاً لما ارتكبه { مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ } أي ما يمكننا وما يصدر عنا بوجه من الوجوه التكلم { بِهَـٰذَا } إشارة إلى القول الذي سمعوه باعتبار شخصه. وجوز أن يكون إشارة إلى نوعه فإن قذف آحاد الناس المتصفين بالإحصان محرم شرعاً، وجاء عن حذيفة مرفوعاً أنه يهدم عمل مائة سنة فضلاً عن تعرض الصديقة حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلام في توسيط الظرف على نحو ما مر.

{ سُبْحَـٰنَكَ } تعجب ممن تفوه به، وأصله أن يذكر عند معاينة العجيب من صنائعه تعالى شأنه تنزيهاً له سبحانه من أن يصعب عليه أمثاله ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه واستعماله فيما ذكر مجاز متفرع على الكناية، ومثله في استعماله للتعجب لا إلٰه إلا الله، والعوام يستعملون الصلاة على النبـي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام أيضاً ولم يسمع في لسان الشرع بل قد صرح بعض الفقهاء بالمنع منه.

وجوز أن يكون { سُبْحَـٰنَكَ } هنا مستعملاً في حقيقته والمراد تنزيه الله تعالى شأنه من أن يصم نبيه عليه الصلاة والسلام ويشينه فإن فجور الزوجة وصمة في الزوج تنفر عنه القلوب وتمنع عن اتباعه النفوس ولذا صان الله تعالى أزواج الأنبياء عليهم السلام عن ذلك، وهذا بخلاف الكفر فإن كفر الزوجة ليس وصمة في الزوج، وقد ثبت كفر زوجتي نوح عليهما السلام كذا قيل، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً ما يتعلق به، وعلى هذا يكون { سُبْحَـٰنَكَ } تقريراً لما قبله وتمهيداً لقوله سبحانه { هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ } أي كذب يبهت ويحير سامعه لفظاعته { عظِيمٌ } لا يقدر قدره لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها كثيراً ما يكونان باعتبار متعلقاتها، والظاهر أن التوبيخ للسامعين الخائضين لا للسامعين مطلقاً، فقد روي عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة رضي الله تعالى عنها قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. وعن سعيد بن المسيب أنه قال: كان رجلان من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئاً من ذلك قالا ما ذكر أسامة بن زيد بن حارثة وأبو أيوب رضي الله تعالى عنهما. وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: إن امرأة أبـي أيوب الأنصاري قالت له: يا أبا أيوب ألا تسمع ما يتحدث به الناس؟ فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، ومنشأ هذا الجزم على ما قاله الإمام الرازي العلم بأن زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن تكون فاجرة، وعلل بأن ذلك ينفر عن الاتباع فيخل بحكمة البعثة كدناءة الآباء وعهر الأمهات، وقد نص العلامة الثاني على أن من شروط النبوة السلامة عن ذلك بل / عن كل ما ينفر عن الاتباع.

السابقالتالي
2 3