الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

قد علم من صدر تفسير هذه السورة أن هذه الآية نزلت بمكة سنة أربع أو خمس من البعثة رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } إلى { وكثير منهم فاسقون } إلا أرْبَعُ سنين. والمقصود من { الذين آمنوا } إما بعض منهم ربما كانوا مقصرين عن جمهور المؤمنين يومئذٍ بمكة فأراد الله إيقاظ قلوبهم بهذا الكلام المجمل على عادة القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في التعريض مثل قوله " ما بال أقوام يفعلون كذا " وقوله تعالىوطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } آل عمران 154. وليس ما قاله ابن مسعود مقتضياً أن مثله من أولئك الذين ذكرهم الله بهذه الآية ولكنه يخشى أن يكون منهم حذراً وحيطة. فالمراد بــــ { الذين آمنوا } المؤمنون حقاً لا من يُظهرون الإيمان من المنافقين إذ لم يكن في المسلمين بمكة منافقون ولا كان دَاع إلى نِفاق بعضهم. وعن ابن مسعود «لما نزلت جعل بَعضنا ينظر إلى بعض ونَقول ما أحدثْنا». وإما أن يكون تحريضاً للمؤمنين على مراقبة ذلك والحذرِ من التقصير. والهمزة في { ألم يأن } للاستفهام وهو استفهام مستعمل في الإنكار، أي إنكار نفي اقتراب وقت فاعل الفعل. ويجوز أن يكون الاستفهام للتقرير على النفي، وفعل { يأن } مشتق من اسم جامد وهو الإِنَى بفتح الهمزة وكسرها، أي الوقت قال تعالىغير ناظرين إناه } الأحزاب 53. وقريب من قوله { ألم يأن } قولهم أما آن لك أن تفعل، مثل ما ورد في حديث إسلام عمر بن الخطاب من قول النبي صلى الله عليه وسلم له " أَمَا آنَ لك يا ابنَ الخطاب أن تُسلم " وفي خبر إسلام أبي ذر من أن علي بن أبي طالب وجده في المسجد الحرام وأراد أن يُضيفه وقال له «أما آن للرجل أن يعرِف منزله» يريد أن يعرف منزلي الذي هو كمنزله. وهذا تلطف في عرض الاستضافة، إلا أن فعل { يأن } مشتق من الإِنى وهو فعل منقوص آخره ألف. وفعل آن مشتق من الأَين وهو الحين وهو فعل أجوف آخره نون. فأصل أنى أَنِيَ وأصل آنَ آوِن وآل معنى الكلمتين واحد. واللام للعلة، أي ألم يأن لأجل الذين آمنوا الخشُوع، أي ألم يحقَّ حضوره لأجْلهم. و { أن تخشع } فاعل { يأن } ، والخشوع الاستكانة والتذلل. و { ذِكْر الله } ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم أو هو الصلاة. و { ما نزل من الحق } القرآن، قال تعالىإنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم } الأنفال 2.

السابقالتالي
2 3