الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ }

حكاية لاعتراف الملائكة بالعبودية للرد على من يزعم فيهم خلافها فهو من كلامه تعالى لكنه حكى بلفظهم وأصله وما منهم إلا الخ أي وما منا إلا له مقام معلوم في العبادة والانتهاء إلى أمر الله تعالى في تدبير العالم مقصور عليه لا يتجاوزه ولا يستطيع أن يزل عنه خضوعاً لعظمته تعالى وخشوعاً لهيبته سبحانه وتواضعاً لجلاله جل شأنه كما روي " فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه " وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه وابن مردويه عن أبـي ذر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إن السماء أطت وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضعاً جبهته ساجداً لله " وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم وأبو الشيخ ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } " وعن السدي { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } في القرب والمشاهدة، وجعل بعضهم ذلك من كلام الجنة بمعنى الملائكة متصلاً بما قبله من كلامهم وهو من قوله تعالى: { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } إلىٱلْمُسَبّحُونَ } [الصافات: 159-166] فقال بعد أن فسر الجنة بالملائكة: إن { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } حكاية/ لتنزيه الملائكة إياه تعالى عما وصفه المشركون به بعد تكذيبهم لهم في ذلك بتقدير قول معطوف علىعَلِمَتِ } [الصافات: 158] وإِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الصافات: 160] شهادة منهم ببراءة المخلصين من أن يصفوه تعالى بذلك متضمنة لتبرئتهم منه بحكم اندراجهم في زمرة المخلصين على أبلغ وجه وآكده على أنه استثناء منقطع من واو { يَصِفُونَ } كأنه قيل: ولقد علمت الملائكة أن المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان الله عما يصفون لكن عباد الله الذين نحن من جملتهم برآء من ذلك الوصف.

و { فَإِنَّكُمْ } الخ تعليل وتحقيق لبراءة المخلصين عما ذكر ببيان عجزهم عن إغوائهم وإضلالهم. والالتفات إلى الخطاب لإظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام وما تعبدون الشياطين الذين أغووهم وفيه إيذان بتبريهم عنهم وعن عبادتهم كقولهم:بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } [سبأ: 41] وقولهم: { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } الخ تبيين لجلية أمرهم وتعيين لحيزهم في موقف العبودية بعد ما ذكر من تكذيب الكفرة فيما قالوا وتنزيه الله تعالى عن ذلك وتبرئة المخلصين عنه وإظهار لقصور شأنهم وجعل تفسير الجنة بالملائكة هو الوجه لاقتضاء ربط الآيات وتوجيهها بما ذكر إياه وفي التعليل شيء.

السابقالتالي
2