الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

قوله تعالى: { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ }: فيه أربعة أوجه، أحدها: أنه بدل من " رسلاً " الأول في قراءة الجمهور، وعَبَّر الزمخشري عن هذا بنصبه على التكرير، كذا فهم عنه الشيخ الثاني: انه منصوبٌ على الحال الموطئة، كقولك: " مررت بزيدٍ رجلاً صالحاً " ومعنى الموطئة أي: إنَّها ليست مقصودةً، إنما المقصودُ صفتُها، ألا ترى ان الرجولية مفهومة من قولك " بزيد " وإنما المقصودُ وصفُه بالصلاحية. الثالث: أنه نُصب بإضمار فعل أي: أَرْسَلْنا رسلاً. الرابع: أنه منصوبٌ على المدح، قَدَّره أبو البقاء بـ " أعني " ، وكان ينبغي أن يقدِّره فعلاً دالاً على المدح نحو: " أمدح " وقد رجَّح الزمخشري هذا الأخير فقال: " والأوجَهُ أن ينتصِبَ " رسلاً " على المدح ".

قوله: { لِئَلاَّ } هذه لام كي، وتتعلَّقُ بـ " منذرين " على المختار عند البصريين، وبـ " مبشِّرين " على المختار عند الكوفيين، فإنه المسألةَ من التنازع، ولو كان من إعمالِ الأول لأضمرَ في الثاني من غير حذفٍ فكان يُقال: مبشِّرين ومنذرين له لئلا، ولم يَقُلُّ كذلك فدلَّ عل مذهب البصريين، وله في القرآن نظائرُ تقدَّم منها جملة صالحة. وقيل: اللام تتعلقُ بمحذوف أي: أرسلناهم لذلك. و " حُجَّةٌ اسمُ " كان " ، وفي الخبر وجهان، أحدُهما: هو " على الله " و " للناس " حال، والثاني، أن الخبرَ " للناس " و " على الله " حال، ويجوز أن يتعلق كلُّ من الجارِّ والمجرور بما تعلَّقَ به الآخرُ إذا جَعَلْناه خبراً، ولا يجوزُ أن يتعلقَ على الله بـ " حجة " ، وإنْ كان المعنى عليه؛ لأنَّ معمولَ المصدر لا يتقدَّم عليه. و " بعد الرسل " متلعقٌ بـ " حجة " ، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوف على أنه صفةٌ لـ " حُجَّة " لأنَّ ظروف [الزمان] تُوصَفُ بها الأحداثُ كما يُخْبر بها عنها نحو: " القتالُ يوم الجمعة ".