الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }

هذا دليل آخر في بَيَانِ أنه لا يجوز للعاقلِ أنْ يتّخذ ولياً غير الله.

و " الباء " في قوله: " بِضُرٍّ " للتعدية، وكذلك في " بخير " ، والمعنى: وإن يمسك اللَّهُ الضُّرَ، أي: يجعلك ماسَّاً له، وإذا مسست الضر فقد مَسَّك، إلاَّ أن التَّعديَةَ بالباء في الفعل المُتَعَدِّي قليلةٌ جداً، ومنه قولهم: " صَكَكْتُ أحَدَ الحجرين بالآخر ".

وقال أبو حيان: ومنها قوله تعالىوَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } [البقرة:251].

وقال الواحديُّ: - رحمه الله -: " إن قيل: إن المَسَّ من صِفَةِ الأجَسْامِ فكيف قال: وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ؟

فالجواب " الباء " للتعدية، والباء والألف يتعاقَبَانِ في التَّعديَةِ، والمعنى: إن أمَسَّك اللَّهُ ضُرّاً، أي: جعله مَاسَّك، فالفعلُ للضُّرِّ، وإن كان في الظاهر قد أسند إلى اسمِ اللَّهِ تعالى، كقولك: " ذهبَ زيدٌ بعمرو " ، وكان الذَّهابُ فِعْلاً لعمرو، غير أن زيداً هو المُسَبِّبُ له والحاملُ عليه، كذلك هنا المسُّ للضُرِّ، والله - تعالى - جعله مَاسّاً ".

قوله: " فلا كاشف له ": " له ": خبر " لا " ، وثمَّ مَحْذُوفٌ تقديره: فلا كاشف له عنك، وهذا المحذوف لي متعلِّقاً بـ " كاشف " ، إذ كان يلزمُ تنوينه وإعرابه، بل يتعلَّق بمحذوف، أي: أغني عنه. و " إلاَّ هو " فيه وجهان:

أحدهما: أنه بدلٌ من مَحَلّ " لا كاشف " فإن مَحَلَّه الرفع على الابتداء.

والثاني: أنه بَدَلٌ من الضمير المُسْتَكِنِّ في الخبرِ، ولا يجوز أن يرتفع باسم الفاعل، وهو " كاشف "؛ لأنه مطوَّلاً [ومتى كان مطوَّلاً] أعْرِبَ نَصْباً، وكذلك لا يجوز أن يكون بَدَلاً من الضمير المُسْتَكِنّ في " كاشف " للعلَّةِ المتقدّمة؛ إذ البدلُ يحلُّ مَحَلُّ المبدل منه فإن قيل: المقابل للخير هو الشَّر، فكيف عدل عن لَفْظِ الشَّرِّ؟ والجواب أنه أراد تَغْلِيبَ الرحمة على ضِدِّهَا، فأتى في جانب الشَّرِّ بأخَصَّ منه وهو الضُّرُّ، وفي جانب الرَّحْمَةِ بالعام الذي هو الخَيْرُ تغليباً لهذا الجانب.

قال ابن عطية: نابَ الضُّرُ مَنَابَ الشَّرِّ، وإن كان الشَّرُّ أعَمَّ منه، فقابل الخير.

وهذا من الفصاحةِ عُدُولٌ عن قانون التكليف والصيغة، فإن باب التكليف وترصيع الكلام أن يكون الشيء مُقْترناً [بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مُضاهاة فمن ذلك]إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [طه:118-119] فجاء بالجوع مع العُرْي، وبابه أن يكون مع الظَّمَأ.

ومنه قوله امرئ القيس: [الطويل]
2119- كَأنِّيَ لَمْ أرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ   وَلَمْ أتَبَطَّنْ كَاعِباً ذَاتَ خَلْخَالِ
وَلَمْ أسْبإ الزِّقَّ الرَّوِيَّ وَلَمْ أقُلْ   لِخَيْلِيَ كُرِّي كرَّةً بَعْدَ إجْفَالِ

السابقالتالي
2