الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }

قلت: " اتخذ " قد يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله:أَمِ اْتَّخَذُوا ءَالِهَةً } [الأنبياء: 8]، وقد يتعدى إلى مفعولين، كقوله:وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } [النساء: 125] فقرأ الجمهور: أن نَتَّخِذَ بالبناء لفاعل. وقرأ الحسن وأبو جعفر بالبناء للمفعول. فالقراءة الأولى على تعديته لواحد، والثانية على تعديته لاثنين. فالأول: الضمير في نتخذ، والثاني: من أولياء. و مِن: للتبعيض، أي: ما ينبغي لنا أن نتخذ بعضَ أولياءٍ من دونك لأن " من " لا تزاد في المفعول الثاني، بل في الأول، تقول: ما اتخذت من أحد وليّاً، ولا تقول: ما اتخذت أحداً من ولي. وأنكر القراءة أبو عمرُو بن العلاء وغيره، وهو محجوج لأن قراءة أبي جعفر من المتواتر. يقول الحق جل جلاله: { و } اذكر { يوم نحشرهم } ، أو: يوم يحشرهم الله جميعاً للبعث والحساب، يكون ما لا تفي به العبارة من الأهوال الفظيعة والأحوال الغريبة، فيحشرهم { وما يعبدون من دون الله } من الملائكة والمسيح وعزير. وعن الكلبي: الأصنام يُنطقها الله، وقيل: عام في الجميع. وما: يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف، كأنه قيل: ومعبودهم. { فيقول } الحق جل جلاله للمعبودين، إثر حشر الكل تقريعاً للعَبَدة وتبكيتاً: { أأنتم أَضْلَلْتُمْ عبادِي هؤلاء } ، بأن دعوتموهم إلى عبادتكم، { أم هم ضلُّوا السبيل } أي: عن السبيل بأنفسهم بإخلالهم بالنظر الصحيح، وإعراضهم عن الرشد. وتقديم الضميريْن على الفعلين بحيث لم يقل: أضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل لأن السؤال ليس عن نفس الفعل، وإنما هو عن متوليه والمتصدي له، فلا بد من ذكره، وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسؤول عنه. وفائدة سؤالهم، مع علمه تعالى بالمسؤول عنه لأن يجيبوا بما أجابوا به حتى يُبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فتزيد حسرتهم. { قالوا } في الجواب: { سبحانك } تعجيباً مما قيل، لأنهم إما ملائكة معصومون، أو جمادات لا تنطق ولا قدرة لها على شيء، أو: قصدوا به تنزيهه عن الأنداد، ثم قالوا: { ما كان ينبغي لنا } أي: ما صح وما استقام لنا { أن نتخذ من دونك } أي: متجاوزين إياك، { من أولياء } نعبدهم لِمَا قام بنا من الحالة المنافية له، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ أن نحمل غيرنا على أن يتخذوا غيرك، فضلاً أن يتخذونا أولياء، أو: ما كان يصح لنا أن نتولى أحداً دونك فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا أن يتولونا دونك حتى يتخذونا أرباباً من دونك، { ولكن متَّعتهم وآباءهم } بالأموال والأولاد وطول العمر، فاستغرقوا في الشهوات، وانهمكوا فيها { حتى نَسُوا الذّكر } أي: غفلوا عن ذكرك، وعن الإيمان بك، واتباع شرائعك فجعلوا أسباب الهداية من النعم والعوافي ذريعة إلى الغواية. { وكانوا } في قضائك وعلمك الأزلي، { قوماً بوراً } هالكين، جمع: بائر، كعائذ وعوذ.

السابقالتالي
2