الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }

قوله - تعالى - { وَيَوْمَ } منصوب على المفعولية بفعل مقدر، والمقصود من ذكر اليوم تذكيرهم بما سيحدث فيه من أهوال حتى يعتبروا ويتعظوا، والضمير فى " يحشرهم " للكافرين الذين عبدوا غير الله - تعالى -. وقوله { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } معطوف على مفعول " يحشرهم " والمراد بهؤلاء الذين عبدوهم من دون الله الملائكة وعزير وعيسى وغيرهم من كل معبود سوى الله - تعالى -. والمعنى واذكر لهم - أيها الرسول الكريم - حالهم لعلهم أن يعتبروا يوم نحشرهم جميعا للحساب والجزاء يوم القيامة، ونحشر ونجمع معهم جميع الذين كانوا يعبدونهم غيرى. ثم نوجه كلامنا لهؤلاء المعبودين من دونى فأقول لهم أانتم - أيها المعبودون - كنتم السبب فى ضلال عبادى عن إخلاص العبادة لى، بسبب إغرائكم لهم بذلك أم هم الذين من تلقاء أنفسهم قد ضلوا السبيل، بسبب إيثارهم الغى على الرشد، والكفر على الإيمان؟ والسؤال للمعبودين إنما هو من باب التقريع للعابدين، وإلزامهم الحجة وزيادة حسرتهم، وتبرئة ساحة المعبودين. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ } وقوله - عز وجل -وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ.. } قال الإمام الرازى ما ملخصه فإن قيل إنه - سبحانه - عالم فى الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة السؤال؟. والجواب هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين، كما قال - سبحانه - لعيسىأَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم، صار تبرُّؤُ المعبودين عنهم أشد فى حسرتهم وحيرتهم. وقال - سبحانه - { أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } ولم يقل. ضلوا عن السبيل، للإشعار بأنهم قد بلغوا فى الضلال أقصاه ومنتهاه. ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أجاب به المعبودون فقال { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }. أى قال المعبودون لخالقهم - عز وجل - " سبحانك " أى ننزهك تنزيها تاما عن الشركاء وعن كل ما لا يليق بجلالك وعظمتك، وليس للخلائق جميعا أن يعبدوا أحدا سواك. ولا يليق بنا نحن أو هم أن نعبد غيرك، وأنت يا مولانا الذى أسبغت عليهم وعلى آبائهم الكثير من نعمك. " حتى نسوا الذكر " أى حتى تركوا ما أنزلته عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك " وكانوا " بسبب ذلك " قوما بورا " أى هلكى، جمع بائر من البوار وهو الهلاك.

السابقالتالي
2