الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }

{ وَحُشِرَ لِسْلَيْمَـٰنَ جُنُودُهُ } أي جمع له عساكره من الأماكن المختلفة { مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ } بيان للجنود كما في «البحر» وغيره. ولا يلزم من ذلك أن يكون الجنود المحشورون له عليه السلام جميع الجن وجميع الإنس وجميع الطير إذ يأبـى ذلك مع قطع النظر عن العقل قصة بلقيس الآتية بعد، وكذا قصة الهدهد. ونقل عن بعضهم أنه عليه السلام كان يأتيه من كل صنف من الطير واحد وهو نص في أن المحشور ليس جميع الطير. ولا يكاد يصح إرادة الجميع في الجميع على ما ذكره الإمام في الآية أيضاً وهو أن المعنى أنه جعل الله تعالى كل هذه الأصناف جنوده لأنه وإن لم يستدع الحضور والاجتماع في موضع واحد بل يكفي فيه مجرد الانقياد والدخول في حيطة تصرفه والاتباع له حيث كانوا لإباء قصة بلقيس أيضاً عنه فإن المناسب الإخبار بهذا الجعل بعد الإخبار بدخولها ومن معها في حيطة تصرفه.

والظاهر أن هذا الحشر ليس إلا جمع العساكر ليذهب بهم إلى محاربة من لم يدخل في ربقة طاعته عليه السلام. وكونه ليذهب بهم إلى مكة شكراً على ما وفق له من بناء بيت المقدس خلاف الظاهر، لكن إذا صح فيه خبر قبل، وأن المجموع من الأنواع المذكورة ما يليق بشأنه وأبهته وعظمته سواء جعلت { مِنْ } بيانية أو تبعيضية، وكونه عليه السلام أحد المؤمنين الذين ملكا المعمورة بأسرها إذا سلمنا صحة الخبر الدال عليه وسلامته من المعارض وأنه نص في المطلوب لا يستدعي سوى دخول سكان المعمورة في عداد رعيته وحيطة ملكته وليس ذلك دفعياً بل هو إن صح كان بحسب التدريج. وقد ذكر بعض المؤرخين أن بلقيس إنما دخلت تحت طاعته في السنة الخامسة والعشرين من ملكه، وكانت مدة ملكه عليه السلام أربعين سنة وكذا كانت مدة ملك أبيه داود عليهما السلام.

والظاهر أن الحاشر لكل نوع من الأنواع الثلاثة أشخاص منهم فيكون من كل نوع أشخاص مأمورون بذلك معدون له. ولا تستبعد ذلك في الطير إذا كنت من المؤمنين بقصة الهدهد، ولا يلزمك التزام ما قاله الإمام من أن الله تعالى جعل للطير عقلاً في أيام سليمان عليه السلام ولم يجعل لها ذلك في أيامنا فما عليك بأس إذا قلت بأنها على حالة واحدة اليوم وذلك اليوم. ولا نعني بعقلها إلا ما تهتدي به لأغراضها، ووجود ذلك اليوم فيها وكذا في غيرها من سائر الحيوانات مما لا ينكره إلا مكابر، وما علينا أن نقول: إن عقولها من حيث هي كعقول الإنسان من حيث هي. ولعل فيها من يهتدي إلى ما لا يهتدي إليه الكثير من بني آدم كالنحل، ولعمري إنها لو كانت خالية من العقل كما يقال وفرض وجود العقل فيها لا أظن أنها تصنع بعد وجوده أحسن مما تصنعه اليوم وهي خالية منه ولا يجب أن يكون كل عاقل مكلفاً فلتكن الطيور كسائر العقلاء الذين لم يبعث إليهم نبـي يأمرهم وينهاهم، ويجوز أيضاً أن تكون عارفة بربها مؤمنة به جل وعلا من غير أن يبعث إليها نبـي كمن ينشأ بشاهق جبل وحده ويكون مؤمناً بربه سبحانه بل كونها مؤمنة / بالله تعالى مسبحة له وكذا سائر الحيوانات مما تشهد له ظواهر الآيات والأخبار، وقد قدمنا بعضاً من ذلك وليس عندنا ما يجب له التأويل، وبالغ بعضهم فزعم أنها مكلفة وفيها وكذا في غيرها من الحيوانات أنبياء لهم شرائع خاصة واستدل عليه بما استدل والمشهور إكفار من زعم ذلك.

السابقالتالي
2 3