الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله تعالى: { فَرِحِينَ }: فيه خمسةُ أوجه، أحدها: أن يكونَ حالاً من الضمير في " أحياءٌ ". الثاني: من الضمير في الظرف. الثالث: من الضمير في " يُرْزَقون ": الرابع أنه منصوب على المدح. الخامس أنه صفةٌ لـ " أحياء " ، وهذا يختصُّ بقراءة ابن أبي عبلة. و " بما " يتعلَّقُ بـ " فرحين ".

قوله: { مِن فَضْلِهِ } في " مِنْ " وجهان، أحدُهما: أنَّ معناها السببيّة أي: بسبب فضله أي: الذي آتاهم الله متسبِّبٌ عن فضله. الثاني: أنها لابتداءِ الغاية، وعلى هذين الوجهين تتعلق بآتاهم. الثالث: أنها للتعبيضِ أي: بعضَ فضله، وعلى هذا فتتعلق بمحذوف على أنها حال من الضمير العائد على الموصول، ولكنه حُذِف والتقدير: بما آتاهموه كائناً من فضله.

قوله: { وَيَسْتَبْشِرُونَ } فيه أربعةُ أوجه، أحدها: أن يكونَ من باب عطفِ الفعلِ على الاسم لكونِ الفعلِ في تأويلهِ، فيكونُ عطفاً على " فرحين " كأنه قيل: فَرِحين ومستبشرين، ونَظَّروه بقوله تعالى:فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } [الملك: 19]. والثاني: أنه أيضاً/ يكونُ من باب عطف الفعل على الاسم، لكنْ لأنَّ الاسم في تأويل الفعل. قال أبو البقاء: " هو معطوفٌ على " فرحين "؛ لأنَّ اسم الفاعل هنا يُشْبه الفعل المضارع " يعني أنَّ " فرحين " بمنزلة " يفرحون " ، وكأنه جعله من باب قوله:إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ } [الحديد: 18]، والتقديرُ الأولُ أَوْلى، لأنَّ الاسمَ وهو " فرحين " لا ضرورةَ بنا إلى أَنْ نجعلَه في مَحلِّ فعلٍ مضارعٍ حتى نتأَوَّل الاسمَ به، والفعلُ فرعٌ عليه، فينبغي أن يُرَدَّ إليه، وإنما فعلنا ذلك في الآيةِ لأنَّ أل الموصولةَ بمعنى الذي، و " الذي " لا تُوصَلُ إلا بجملة أو شبههِا، وذلك الشَّبَهُ في الحقيقةِ يِتأوَّل بجملة.

الثالث: أَنْ يكونَ مستأنفاً، الواو للعطف عَطَفْت فعليةً على اسمية.

الرابع: أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوف أي: وهم يستبشرون، وحينئذ يجوز وجهان، أحدُهما: أن تكونَ الجملةُ حاليةً من الضمير المستكِنِّ في " فرحين " أو من العائد المحذوف من " آتاهم " ، وإنما احتجنا إلى تقدير مبتدأ عند جَعْلِنا إياها حالاً لأنَّ المضارع المثبت لا يجوز اقترانُه بواو الحال لِما تقدَّم غيرَ مرة. والثاني من هذين الوجهين: أن تكونَ استئنافية عَطَفَتْ جملةً اسميةً على مثلها.

واستفعل هنا ليست للطلب، بل تكون بمعنى المجردِ نحو: " استغنى الله، واستمجد المَرْخ والعَفار " بمعنى غَنِي ومَجُد. وقد سمع " بَشِر الرجل " بكسر العين فيكون استبشر بمعناه، قاله ابن عطية. ويجوز أن يكونَ مطاوعَ أبشر نحو: " أكأنه فاستكان، وأراحه فاستراح، وأشلاه فاستشلى، وأَحْكمه فاستحكم " وهو كثير.

السابقالتالي
2