الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

هذا خطاب من الله تعالى لاهل الكتاب الذي هو الانجيل وهم النصارى نهاهم الله (تعالى) ان يغلوا في دينهم بان يجاوزوا الحق فيه، ويفرطوا في دينهم، ولا يقولوا في عيسى غير الحق، فان قولهم في عيسى أنه ابن الله قول بغير الحق، لانه (تعالى) لم يتخذ ولداً فيكون عيسى أو غيره من خلقه ابناً له، ونهاهم أن يقولوا على الله. الا الحق، وهو الاقرار بتوحيده، وانه لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد. واصل الغلو في كل شيء تجاوز حده يقال: غلا فلان في الدين يغلو غلواً. وغلا بالجارية عظمها ولحمها: إذا انسرعت الشباب، وتجاوزت لذاتها. يغلو بها غلواً وغلاء قال الحارث بن خالد المخزومي:
خمصانة فلق موشحها   رود الشباب غلا بها عظم
وقوله: انما المسيح عيسى بن مريم، فأصل المسيح المموح - نقل من مفعول إلى فعيل. سماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب، وقيل مسح من الذنوب والادناس التي تكون في الادميين كما يمسح الشيء من الاذى الذي يكون فيه. وهو قول مجاهد. وقال ابو عبيدة: هذه الكلمة عبرانية أو سريانية مشيحاً، فعربت فقيل المسيح، كما عرب سائر أسماء الانبياء في القرآن، نحو اسماعيل واسحاق وموسى وعيسى. وقال قوم ليس هذا مثل ذلك، لان اسماعيل واسحاق وما اشبههما اسماء، لا صفات. والمسيح صفة ولا يجوز ان يخطب العرب وغيرها من اجناس الخلق في صفة شيء إلا بما يفهم، فعلم بذلك انها كلمة عربية وقال ابراهيم: المسيح المسيح الصديق واما المسيح الدجال فانه ايضاً بمعنى الممسوح العين صرف من مفعول إلى فعيل فمعنى المسيح في عيسى (ع) الممسوح البدن من الادناس والآثام. ومعنى المسيح في الدجال الممسوح العين اليمنى أو اليسرى كما يروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذلك. وقوله: رسول الله اخباره منه (تعالى) ان المسيح أرسله الله وجعله نبياً. وقوله: { كلمته ألقاها إلى مريم } فانه يعني بالكلمة الرسالة التي امر الله ملائكته أن يأتي بها بشارة من الله (تعالى) لها التي ذكرت في قوله: { قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه } يعني برسالة منه وبشارة من عنده وقال قتادة والحسن: هو قوله: " كن فكان " واختار الطبري الاول وقال الجبائي: ذلك مجاز، وانما اراد بالكلمة انهم يهتدون بعيسى، كما يهتدون بكلامه. وكذلك يحيون به في دينهم كما يحيى الحي بالروح، فلذلك سماه روحا.

وقوله: { ألقاها إلى مريم } فمعناه اعلمها بها وأخبرها كما يقال القيت اليك كلمة حسنة بمعنى أخبرتك بها. وكلمتك بها. وقال الجبائي: معنى القاها الى مريم خلقه في رحمها.

وقوله: { وروح منه } اختلفوا فيه على ستة اقوال:

فقال قوم: معناه ونفحة منه وسماه روحا، لانه حدث عن نفحة جبرائيل في درع مريم بامر الله له بذلك، ونسب الى الله، لانه كان بامره.

السابقالتالي
2 3