الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً }

فيه ست مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } «أَنَّ» بالفتح، قيل: هو مردود إلى قوله تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ } أي قل أوحَى إلى أن المساجد لله. وقال الخليل: أي ولأن المساجد لله. والمراد البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة. وقال سعيد بن جبير: قالت الجنّ كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناءون عنك؟ فنزلت: { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } أي بُنيت لذكر الله وطاعته. وقال الحسن: أراد بها كل البقاع لأن الأرض كلها مسجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم، يقول: " أينما كنتم فصلّوا " " فأينما صليتم فهو مسجد " وفي الصحيح: " وجعلت ليَ الأرض مسجداً وطَهوراً " وقال سعيد بن المسيّب وطَلْق ٱبن حبيب: أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد، وهي القدمان والركبتان واليدان والوجه يقول: هذه الأعضاء أنعم الله بها عليك، فلا تسجد لغيره بها، فتجحد نعمة الله. قال عطاء: مساجدك: أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تذللها لغير خالقها. وفي الصحيح عن ٱبن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظُم: الجبهة ـ وأشار بيده إلى أنفه ـ واليدين والركبتين وأطراف القدمين " وقال العباس قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب " وقيل: المساجد هي الصلوات أي لأن السجود لله. قاله الحسن أيضاً. فإن جعلت المساجد المواضع فواحدها مسجِد بكسر الجيم، ويقال بالفتح حكاه الفراء. وإن جعلتها الأعضاء لواحدها مَسجَد بفتح الجيم. وقيل: هو جمع مَسجَد وهو السجود، ويقال: سجدت سجوداً ومَسجَداً، كما تقول: ضربت في الأرض ضَرْباً ومَضرَباً بالفتح: إذا سرت في ٱبتغاء الرزق. وقال ابن عباس: المساجد هنا مكة التي هي القبلة وسمّيت مكة المساجد لأن كل أحد يسجد إليها. والقول الأوّل أظهر هذه الأقوال إن شاء الله، وهو مروي عن ٱبن عباس رحمه الله. الثانية: قوله تعالى: { لِلَّهِ } إضافة تشريف وتكريم، ثم خصّ بالذكر منها البيت العتيق فقال:وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } [الحج: 26]. وقال عليه السلام: " لا تُعمَل المَطِيّ إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث خرجه الأئمة. وقد مضى الكلام فيه. وقال عليه السلام: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " قال ٱبن العربي: وقد روى من طريق لا بأس بها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي هذا "

السابقالتالي
2