الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }

قوله تعالى: { أَيْقَاظاً }: جمعٌ " يَقُظ " بضم القاف، ويُجمع على يِقاظ. ويَقْظ وأيقاظ كعَضُد وأَعْضاد، ويَقُظ ويِقاظ كرَجُل ورِجال. وظاهر كلام الزمخشري أنه يقال: " يَقِظ " بالكسر، لأنه قال: " وأيقاظ جمع " يَقِظ " كأَنْكادِ في " نَكِد ". واليَقَظَةُ: الانتباهُ ضدُّ النوم.

والرُّقود: جمع راقِد كقاعِد وقُعود، ولا حاجةَ إلى إضمارِ شيءٍ كما قال بعضهم: إنَّ التقديرَ: لو رَأَيْتَهم لَحَسِبْتَهُم أيقاظاً.

قوله: " ونُقِلَّبهم " قرأ العامَّةُ " نُقَلِّبهم " مضارعاً مسنداً للمعظِّمِ نفسَه. وقرئ كذلك بالياء مِنْ تحتُ، أي: الله أو المَلَك. وقرأ الحسن: " يُقَلِبُهم " بالياءِ من تحتُ ساكنَ القافِ مخففَ اللامِ، وفاعلُه كما تقدَّم: إمَّا اللهُ أو المَلَكُ. وقرأ أيضاً " وتَقَلُّبَهم " بفتح التاءِ وضمِّ اللامِ مشددةً مصدرَ تَقَلَّبَ " ، كقولِه:وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } [الشعراء: 219] ونصبِ الباء. وخرَّجه أبو الفتحِ على إضمارِ فعلٍ، أي: ونَرَى تقَلُّبَهم أو نشاهِدُ. ورُوِيَ عنه أيضاً رفعُ الباءِ على الابتداءِ، والخبرُ الظرفُ بعدَه. ويجوز أن يكونَ محذوفاً، أي: آيةٌ عظيمة./ وقرأ عكرمةُ " وتَقْلِبُهم " بتاءِ التأنيثِ مضارعَ " قَلَب " مخففاً، وفاعلُه ضميرُ الملائكةِ المدلولِ عليهم بالسِّياقِ.

قوله: " وكَلْبُهم " العامَّةُ على ذلك. وقرأ جعفر الصادق " كالِبُهم " ، أي: صاحبُ كلبِهم، كلابِن وتامِر. ونقل أبو عمر الزاهدُ غلامُ ثعلب " وكالِئُهم " بهمزةٍ مضمومةٍ اسمَ فاعلٍ مِنْ كَلأَ يكلأُ: أي: حَفِظَ يَحْفَظُ.

و " باسِط " اسمُ فاعلٍ ماضٍ، وإنما عَمِلَ على حكاية الحال. والكسائيُّ يُعْمِله ويَسْتشهد بالاية.

والوَصْيدُ: الباب. وقيل: العَتَبة. وقيل: الصَّعيد والتراب. وقيل: الفِناء. وأنشد:
3138- بأرضِ فضاءٍ لا يُسَدُّ وَصِيْدُها   عليَّ ومعروفي بها غيرُ مُنكَرِ
والعامَّةُ على كسرِ الواوِ مِنْ { لَوِ ٱطَّلَعْتَ } على أصلِ التقاءِ الساكنين. وقرأها مضمومةً أبو جعفر وشيبةُ ونافعٌ وابنُ وثاب والأعمش تشبيهاً بواوِ الضمير، وتقدَّم تحقيقُه.

قوله: فِرارا " يجوز أَنْ يكونَ منصوباً على المصدرِ مِنْ معنى الفعل قبلَه، لأنَّ التوليَّ والفِرار مِنْ وادٍ واحدٍ. ويجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً في موضعِ الحال، أي: فارَّاً، وتكونُ حالاً مؤكدة، ويجوز أن يكونَ مفعولاً له.

قوله: " رُعْباً " مفعولٌ ثانٍ. وقيل: تمييز. وقرأ ابنُ كثير ونافعٌ " لَمُلِئْتَ " بالتشديد على التكثيرِ. وأبو جعفر وشيبةُ كذلك إلا أنه بإبدال الهمزةِ ياءً. والزُّهْري بتخفيف اللام والإِبدال، وهو إبدالٌ قياسيٌّ. وتقدَّم الخلافُ الرعب في آل عمران.