الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ }

قرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد في اللفظين، والباقون بتشديدهما.

فمن خفف كان الكلام عنده بمنزلة قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [البقرة:277]، لأن المُصَدِقين - بالتخفيف - مأخوذ من " صَدّق " بمعنى " آمن " ، فهم الذين آمنوا واقرضوا - أي: عملوا الصالحات - إما لأن القرض الحسن من جملة الأعمال الصالحة، لأن معه أن يتصدق من المال الطيّب عن طيبة النفس وصحة النيّة على من استحق للصدقة، أو لأن المراد منه مطلق الفعل الحسن والعمل الصالح الذي له أجر كريم، سواء كان بإيتاء أمر عيني أو غيره، كما أن التصديق حينئذ يتضمن الصدقة.

ومن شدّد، كان الوجه عنده أن قوله: أقرَضوا الله قرضاً حسناً - اعتراض بين الخبر والمخبر عنه، فهو للصدقة أشدّ ملائمة منه للتصديق، ولأحد أن يمنع كونه اعتراضياً ألبتّة، لاحتمال أن يكون معطوفاً على معنى الفعل في المصدّقين، لأن اللام فيه بمعنى (الذين)، واسم الفاعل بمعنى اصدقوا أو صدقوا.

وقرئ: " يضعّف " بالتشديد، و " يضاعِف " بكسر العين، أي: يضاعِف الله لهم من الجزاء أمثال ما أنفقوا في وجوه الخير - ولهم أجر كريم -، لأنه يترتب لذاته على فعل الخير، وكلما يترتب على فعل الخير يكون أجراً كريماً، لأن أمور الآخرة تكون شديدة قوية في الإلذاذ - إن كانت لذيذة -، وفي الإيلام، إن كانت أليمة -، لعدم الغشاوات والموانع عن الإدراك هناك، وكون المدرك قوياً، والمدرك مكشوفاً، وليست اللذة إلاَّ إدراك الملائم، ولا الألم إلاَّ إدراك المنافي.

فالمدرك للملائم والمنافي إذا كان في غاية القوة والحدّة:فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ق:22]، والمدرك منهما إذا كان كنه حقيقة الشيء ولبّه وباطنه وسريرته:يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق:9] والإدراك أيضاً في غاية التحقيق واليقين حيث ينتهي إلى مشاهدة العين:كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [التكاثر:5 - 8]. - يكون الإلذاذ والإيلام في غاية القوة والشدة، وهذا هو البيان في كون أمور الآخرة في بابها عظيمة شددة.

مكاشفة

النكتة في ان فعل الحسنة يكون أجره مضاعفاً، وفعلَ السيئة يكون أجره مثله، - كما في قوله تعالى:مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } [الأنعام:160] - وجهان: أحدهما من جهة القابل، والآخر من جهة الفاعل.

أمّا الوجه الأول: فهو أن حقيقة النفس الإنسانية هي من عالم الأمر وعالم الآخرة وسنخ الروحانيات النوريّة، فوقعت في هذا العالم الجسماني الظلماني لجناية صدرت من أبي البشر آدم الأول، حيث أهبط من الجنة إلى الأرض غريباً وحيداً أسيراً في أيدي الظلمات، ملسوعاً بلسع حيّات الشهوات وموذيات اللذّات، مسحوراً بسحر الطبيعة ووساوس الشياطين، كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3