الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } بأن نسب إليه ما لا يليق به كقولهم: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقولهم لآلهتهم:هَـٰؤُلآء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18] والمراد من الآية ذم أولئك الكفرة بأنهم مع كفرهم بآيات الله تعالى مفترون عليه سبحانه، ويجوز أن تكون لنوع آخر من الدلالة على أن القرآن ليس بمفترى، فإن من يعلم حال من يفتري على الله سبحانه كيف يرتكبه، وأن تكون من الكلام المنصف أي لا أحد أظلم مني أن أقول لما ليس بكلام الله تعالى إنه كلامه كما زعمتم، أو منكم إن كنتم نفيتم أن يكون كلامه سبحانه مع تحقق أنه كلامه جل وعلا، وفيه من الوعيد والتهويل ما لا يخفى، ويجوز عندي إذا كان ما قبل في مؤمني أهل الكتاب أن يكون هذا في بيان حال كفرتهم الذين أسندوا إليه سبحانه ما لم ينزله من المحرف الذي صنعوه ونفوا عنه سبحانه ما أنزله من القرآن أو من نعت النبـي صلى الله عليه وسلم، وأياً مّا كان فالمراد نفي أن يكون أظلم من ذلك أو مساوياً في الظلم على ما تقدم.

{ أُوْلَـٰئِكَ } أي الموصوفون بالظلم البالغ وهو الافتراء { يُعْرَضُونَ } من حيث أنهم موصوفون بذلك { عَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي مالكهم الحق والمتصرف فيهم حسبما يريد، وفيه على ما قيل: إيماء إلى بطلان رأيهم في اتخاذهم أرباباً من دونه سبحانه وتعالى، وجعل بعضهم الكلام على تقدير المضاف أي تعرض أعمالهم، أو على ارتكاب المجاز ولا يحتاج إلى ذلك على ما أشير إليه لأن عرضهم من تلك الحيثية وبذلك العنوان عرض لأعمالهم على وجه أبلغ فإن عرض العامل بعمله أفظع من عرض عمله مع غيبته، والظاهر أنه لا حذف في قوله سبحانه: { عَلَىٰ رَبّهِمْ } ويفوض من يقف على الله. وقيل: هناك مضاف محذوف أي على ملائكة ربهم وأنبياء ربهم وهم المراد بالأشهاد في قوله تعالى: { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَـٰدُ } وتفسيرهم بالملائكة مطلقاً هو المروي عن مجاهد، وعن ابن جريج تفسيرهم بالحفظة من الملائكة عليهم السلام، وقيل: المراد بهم الملائكة والأنبياء والمؤمنون، وقيل: جوارحهم، وعن مقاتل وقتادة هم جميع أهل الموقف، وهو جمع شاهد بمعنى حاضر كصاحب وأصحاب بناءاً على جواز جمع فاعل على أفعال، أو جمع شهيد بمعناه كشريف وأشراف أي ويقول الحاضرون عند العرض أو في موقف القيامة.

{ هَٰـؤُلآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ } ويحتمل أن يكون شهادة على تعيين من صدر منه الكذب كأن وقوعه / أمر واضح غني عن الشهادة، وإنما المحتاج إليها ذلك ولذا لم يقولوا: هؤلاء كذبوا بدون الموصول، ويحتمل أن يكون ذماً لهم بتلك الفعلة الشنيعة لا شهادة عليهم كما يشعر به قوله تعالى: { وَيَقُولُ } دون ويشهد، وتوطئة لما يعقبه من قوله تعالى: { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي بالافتراء المذكور، والظاهر أن هذا من كلام الأشهاد على الاحتمالين، ويؤيده ما أخرجه الشيخان وخلق كثير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

السابقالتالي
2