الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } * { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ }

موقع هذه الجملة كموقع جملةكذبت قبلهم قوم نوح } القمر 9 فكان مقتضى الظاهر أن تعطف عليها، وإنما فصلت عنها ليكون في الكلام تكرير التوبيخ والتهديد والنعي عليهم عقب قولهولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر } القمر 4، 5. ومقام التوبيخ والنعي يقتضي التكرير. والحكم على عاد بالتكذيب عموم عرفي بناء على أن معظمهم كذبوه وما آمن به إلا نفر قليل قال تعالىولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا } هود 58. وفرع على التذكير بتكذيب عاد قوله { فكيف كان عذابي ونذر } قبل أن يذكر في الكلام ما يشعر بأن الله عذبهم فضلاً عن وصف عذابهم. فالاستفهام مستعمل في التشويق للخبر الوارد بعده وهو مجاز مرسل لأن الاستفهام يستلزم طلب الجواب والجواب يتوقف على صفة العذاب وهي لَمّا تذكر فيحصل الشوق إلى معرفتها وهو أيضاً مكنى به عن تهويل ذلك العذاب. وفي هذا الاستفهام إجمال لحال العذاب وهو إجمال يزيد التشويق إلى ما يبينه بعده من قوله { إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } الآية، ونظيره قوله تعالىعمّ يتساءلون } النبأ 1 ثم قولهعن النبأ العظيم } النبأ 2 الآية. وعطف { ونذر } على { عذابي } بتقدير مضاف دل عليه المقام، والتقدير وعاقبة نذري، أي إنذاراتي لهم، أي كيف كان تحقيق الوعيد الذي أنذرهم. ونُذر جمع نذير بالمعنى المصدري كما تقدم في أوائل السورة وقد علمت بما ذكرنا أن جملة «فكيف كان عذابي ونذري» هذه ليست تكريراً لنظيرها السابق في خبر قوم نوح، ولا اللاحق في آخر قصة عاد للاختلاف الذي علمته بين مُفادها ومفاد مماثلتها وإن اتحدت ألفاظهما. والبليغ يتفطن للتغاير بينهما فيصرفه عن توهم أن تكون هذه تكريراً فإنه لما لم يسبق وصف عذاب عاد لم يستقم أن يكون قوله { فكيف كان عذابي } تعجيباً من حالة عذابهم. وقوله { ونذر } موعظة من تحقق وعيد الله إياهم، وقد أشار الفخر إلى هذا وقفينا عليه ببسط وتوجيه. وأصل السؤال عن تكرير هذه الجملة أثناء قصة عاد هنا أورده في كتاب «درة التنزيل وغرة التأويل» المنسوب إلى الفخر وإلى الراغب إلا أن كلام الفخر في «التفسير» أجدر بالتعويل مما في «درة التنزيل». وجملة { إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } الخ بيان للإجمال الذي في قوله { فكيف كان عذابي ونذر }. وهو في صورة جواب للاستفهام الصوري. وكلتا الجملتين يفيد تعريضاً بتهديد المشركين بعذاب على تكذيبهم. وجملة البيان إنما اتصف حال العذاب دون حال الإِنذار، أو حال رسولهم وهو اكتفاء لأن التكذيب يتضمن مجيء نذير إليهم وفي مفعول { كذبت } المحذوف إشعار برسولهم الذي كذبوه وبعث الرسول وتكذيبهم إياه بتضمن الإِنذار لأنهم لما كذبوه حق عليه إنذارهم.

السابقالتالي
2 3