الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

يعني بذلك تعالى ذكره: { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ } لتـختبرن بالمصائب فـي أموالكم وأنفسكم، يعني: وبهلاك الأقربـاء والعشائر من أهل نصرتكم وملتكم، { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } يعنـي: من الـيهود وقولهمإِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } وقولهميَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [المائدة: 64] وما أشبه ذلك من افترائهم علـى الله. { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يعنـي النصارى، { أَذًى كَثِيراً } والأذى من الـيهود ما ذكرنا، ومن النصارى قولهم: الـمسيح ابن الله، وما أشبه ذلك من كفرهم بـالله. { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } يقول: وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فـيهم وفـي غيرهم من طاعته وتتقوا، يقول: وتتقوا الله فـيـما أمركم ونهاكم، فتعملوا فـي ذلك بطاعته. { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } يقول: فإن ذلك الصبر والتقوى مـما عزم الله علـيه وأمركم به. وقـيـل إن ذلك كله نزل فـي فنـحاص الـيهودي سيد بنـي قـينقاع. كالذي: حدثنا به القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة فـي قوله: { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } قال: نزلت هذه الآية فـي النبـي صلى الله عليه وسلم، وفـي أبـي بكر رضوان الله علـيه، وفـي فنـحاص الـيهودي سيد بنـي قـينقاع، قال: بعث النبـي صلى الله عليه وسلم أبـا بكر الصديق رحمه الله إلـى فنـحاص يستـمدُّه، وكتب إلـيه بكتاب، وقال لأبـي بكر: " لا تَفْتَاتَنَّ علـيَّ بِشَيْءٍ حتـى تَرْجِعَ " فجاء أبو بكر وهو متوشح بـالسيف، فأعطاه الكتاب، فلـما قرأه قال: قد احتاج ربكم أن نـمده! فهمّ أبو بكر أن يضربه بـالسيف، ثم ذكر قول النبـي صلى الله عليه وسلم: " لا تَفْتاتَنَّ عَلـيَّ بِشَيْءٍ حتـى تَرْجعَ " فكف ونزلت:وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } [آل عمران: 181] وما بـين الآيتـين إلـى قوله: { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } نزلت هذه الآيات فـي بنـي قـينقاع، إلـى قوله:فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } [آل عمران: 184]. قال ابن جريج: يعزي نبـيه صلى الله عليه وسلم، قال: { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } قال: أعلـم الله الـمؤمنـين أنه سيبتلـيهم فـينظر كيف صبرهم علـى دينهم، ثم قال: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } يعنـي: الـيهود والنصارى، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } فكان الـمسلـمون يسمعون من الـيهود قولهم: عزير ابن الله، ومن النصارى: الـمسيح ابن الله، فكان الـمسلـمون ينصبون لهم الـحرب، ويسمعون إشراكهم، فقال الله: { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } يقول: من القوة مـما عزم الله علـيه وأمركم به.

السابقالتالي
2