الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

ذكر الله تعالى حكم الأموال عقب ذكر أحكام الصيام لما تقدّم من المناسبة، والصيام عبادة موقوتة لا يتعدّى فرضها شهر رمضان، والأموال وسيلة لعبادة الحجّ وهو يكون في الأشهر الحرم، ولعبادة القتال مدافعة عن الملّة والأمّة وهي قد كانت ممنوعة في هذه الأشهر، فناسب أن يعقّب بعد أحكام الصيام والأموال، بذكر ما يشرّع في الأشهر الحرم من الحجّ ومن القتال عند الإعتداء على المسلمين، ويبدأ ذلك بذكر حكمة اختلاف الأهلّة قال: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } أي مواقيت لهم في صيامهم وحجهم من العبادات، وفي نحو عدّة النساء وآجال العقود من المعاملات، فإنّ التوقيت بها يسهل على العالم بالحساب والجاهل به، وعلى أهل البدو والحضر، فهي مواقيت لجميع الناس، وأمّا السنة الشمسية، فإنّ شهورها تعرف بالحساب فهي لا تصلح إلاّ للحاسبين، ولم يقدروا على ضبطها إلاّ بعد إرتقاء العلوم الرياضية بزمن طويل. وقد ورد في أسباب نزول الآية: إنّ بعضهم سأل النبي عن الأهلّة مطلقاً، وأنّ بعضهم سأل لِمَ خلقت؟ والروايتان عند ابن أبي حاتم. وأخرج أبو نعيم وابن عساكر من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس إنّ معاذ بن جبل وثعلبة بن غنيمة قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثمّ يزيد حتّى يعظم ويستوي ويستدير، ثمّ لا يزال ينقص ويدقّ حتّى يعود كما كان لا يكون على حال واحد؟ فنزلت وقد اشتهر هذا السبب؛ لأنّ علماء البلاغة يذكرونه في مطابقة الجواب للسؤال وعدمها، وزعموا إنّ مراد السائلين بيان السبب الطبيعي لهذا الاختلاف، وأنّ الجواب إنّما جاء ببيان الحكمة دون بيان العلّة، لأنّه موضوع الدين، جرياً على ما يسمّى في البلاغة أسلوب الحكيم أو الأسلوب الحكيم.

قال الأستاذ الإمام: كأنّه قال كان عليكم أن تسألوا عن الحكمة والفائدة في اختلاف الأهلّة إن لم تكونوا تعرفونها، وإلاّ فعليكم الإكتفاء بها وعدم مطالبة الشارع بما ليس من الشرع. ففي الكلام تعريض بأنّ سؤالهم في غير محلّه، ولو توجّه هذا السؤال ممّن يتعلّم علم الفلك إلى أستاذه فيه لما عدّ قبيحاً، ولا قيل إنّه في غير محلّه، ولكنّه موجّه من أمّي، إلى نبي لا إلى فلكي، فهو قبيح من هذا الوجه لا لذاته، وإلاّ لكان النظر في السماوات والأرض لأجل الوقوف على أسرار الخليقة وأسباب ما فيها من الآيات والعبر مذموماً، وكيف يذمّ وقد أرشدنا الله تعالى إليه، وحثّنا في كتابه عليهأَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ق: 6] والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وأقول: إنّ الرواية عن ابن عبّاس ضعيفة، بل قالوا إنّ رواية الكلبي عن أبي صالح هي أوهى الطرق عنه، على إنّ السؤال غير صريح في طلب بيان العلّة، وحمله على طلب الحكمة والفائدة - ولو مع العلّة - غير بعيد، فالمختار إنّ الجواب مطابق للسؤال.

السابقالتالي
2 3 4 5