الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

وقوله تعالى: { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } المقصود بها آدم، وقول الحق: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } المقصود بها حواء، ونلحظ في الأداء في هذه الآية أن الضمير عائد إلى مؤنث. { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }. ثم جاء بالتذكير في قوله: { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا }. إذن فصل الذكورة عن الأنوثة جاء عند { لِيَسْكُنَ }. فكأن الكلام في النفس معنىٌّ به جنس بني آدم وهو الذي نسميه " الإنسان " ومنه ذكورة ومنه أنوثة، ولذلك فسبحانه حينما يتكلم عن الذكورة كذكورة، والأنوثة كأنوثة، يأتي بضمير المذكر، أو بضمير المؤنث، وقوله: { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا }. لأنه يريد أن يوضح أن المرأة جُعلَت للرجل سكناً، لا يقال: إنها له سكن إلا إذا كان هو متحركاً، كأن الحركة والكدح في الحياة للرجل، ثم يستريح مع المرأة ويسكن إليها بالحنان، بالعطف، بالرقة. أما إن لم تكن سكناً فهو يخرج من البيت لأن ذلك أفضل له. وقول الحق تبارك وتعالى: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }. يذكرنا بما عرفناه من قبل من أن الله خلق آدم من الطين ومن الصلصال ثم نفخ فيه ربّنا الروحَ، أما حواء فقد ذكرها في هذه المسألة، وأوضح: أنا جعلت منها زوجها، و " منها " أي أنها قطعة منه، وقيل: إنها خلقت من ضلع أعوج، ومن يرجع هذا الرأي يقول لك: لأن الله يريد أن يجعل السكن ارتباطاً عضوياً، فالمرأة بعض من الرجل، ونعرف أن الواحد منا يحب ابنه لأنه بعض منه. وعلى ذلك فهذا القول جاء لتقديم الألفة. وهناك من يقول: إن حواء خلقت مثل آدم فلماذا جاء ذكر آدم ولم يأت بذكر حواء؟ ونقول: إن آدم أعطى الصورة في خلق الإنسان من طين، لأن آدم هو الرسول وهو المسجود له. ونعلم أن المرأة دائماً مبنية على الستر. ومثال ذلك نجد الفلاح في مصر لا يقول: زوجتي، بل يقول: " الجماعة " أو " الأولاد " أو يقول: " أهلي " ولا يذكر اسم الزوجة أبداً. والحق يقول هنا: { وَجَعَلَ مِنْهَا } ، فإن كانت مخلوقة من الضلع فـ " مِنْ " تبعيضية، وإن كانت مخلوقة مثل آدم تكون " مِنْ " بيانية، أي من جنسها، مثلها مثلما يقول ربنا:هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [الجمعة: 2]. أي الرسول من جنسنا البشري ليكون إلف المُبَلِّغِ عن الله، والمُبَلِّغُ عن الله واحد منا ونكون مستأنسين به، ولذلك قلنا: إن اختيار الله للرسول صلى الله عليه وسلم من البشر فيه رد على من أرادوا أن يكون الرسول من جنس آخر غير البشر، فقال الحق على ألسنتهم:وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً }

السابقالتالي
2