الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }

قوله تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } قال الطبري: «أو» بمعنى الواو وقاله الفرّاء. وأنشد:
وقد زَعَمتْ ليْلَى بأنِّيَ فاجرٌ   لنفسي تُقَاها أو عليها فُجورها
وقال آخر:
نَال الخلافةَ أو كانت له قَدَراً   كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ
أي وكانت. وقيل: «أو» للتخيير أي مثّلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، والمعنى أو كأصحاب صَيِّب. والصَّيِّبُ: المطر. وٱشتقاقه من صَابَ يَصُوبُ إذا نزل قال عَلْقَمة:
فلا تَعْدِلي بَيني وبين مُغَمَّرٍ   سَقَتكِ رَوايا المُزْنِ حيث تَصُوبُ
وأصله: صَيْوب، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت كما فعلوا في ميّت وسيّد وهيّن وليّن. وقال بعض الكوفيين: أصله صَوِيب على مثال فعِيل. قال النحاس: «لو كان كما قالوا لما جاز إدغامه، كما لا يجوز إدغام طويل. وجمع صيب صيايب. والتقدير في العربية: مَثَلهم كَمَثل الذي ٱستوقد ناراً أو كمثل صيب». قوله تعالى: { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } السماء تذكّر وتؤنث، وتجمع على أسميةٍ وسموات وسُمِيّ، على فُعُول قال العجاج:
تَلُفُّه الرياحُ والسُّمِيُّ   
والسماء: كل ما علاك فأظلّك ومنه قيل لسقف البيت: سماء. والسماء: المطر سُمّيَ به لنزوله من السماء. قال حسان بن ثابت:
ديارٌ من بني الحَسْحاسِ قَفْرٌ   تُعَفِّيها الروامِسُ والسماء
وقال آخر:
إذا سَقَط السماءُ بأرض قومٍ   رَعَيناه وإن كانوا غِضابَا
ويسمّى الطين والكلا أيضاً سماء يقال: ما زِلْنا نطأ السماء حتى أتيناكم. يريدون الكلأ والطين. ويقال لظهر الفرس أيضاً سماء لعلوّه قال:
وأحمرُ كالدّيباج أمّا سماؤه   فَرَيّا وأمّا أرضُه فمُحُولُ
والسماء: ما علا. والأرض: ما سفل على ما تقدّم. قوله تعالى: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ٱبتداء وخبر. { وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } معطوف عليه. وقال: ظلمات بالجمع إشارة إلى ظُلْمة الليل وظُلْمة الدَّجْن، وهو الغيم ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت. وقد مضى ما فيه من اللغات فلا معنى للإعادة، وكذا كل ما تقدّم إن شاء الله تعالى. وٱختلف العلماء في الرعد ففي الترمذي عن ٱبن عباس قال: " سألتِ اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ قال: «مَلك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله». فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: «زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر الله» قالوا: صدقت " الحديث بطوله. وعلى هذا التفسير أكثر العلماء. فالرعد: ٱسم الصوت المسموع، وقاله عليّ رضي الله عنه، وهو المعلوم في لغة العرب وقد قال لبِيد في جاهليته:
فَجّعَني الرعدُ والصواعقُ بالـ   ـفارِسِ يومَ الكريهةِ النَّجِدِ
وروي عن ٱبن عباس أنه قال: الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوّت ذلك الصوت. وٱختلفوا في البرق فروي عن عليّ وٱبن مسعود وٱبن عباس رضوان الله عليهم: البرق مخراق حديد بيد المَلَك يسوق به السحاب.

السابقالتالي
2 3 4