الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: أعلم أن الآية تدل على أن أكبر الشهادات وأعظمها شهادة الله تعالى. ثم بيّـن أن شهادة الله حاصلة إلا أن الآية لم تدل على أن تلك الشهادة حصلت في إثبات أي المطالب فنقول: يمكن أن يكون المراد حصول شهادة الله في ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يكون المراد حصول هذه الشهادة في ثبوت وحدانية الله تعالى. أما الاحتمال الأول: فقد روى ابن عباس أن رؤساء أهل مكة قالوا يا محمد ما وجد الله غيرك رسولاً وما نرى أحداً يصدقك وقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أنه لا ذكر لك عندهم بالنبوة فأرنا من يشهد لك بالنبوة، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال قل يا محمد أي شيء أكبر شهادة من الله حتى يعترفوا بالنبوة، فإن أكبر الأشياء شهادة هو الله سبحانه وتعالى فإذا اعترفوا بذلك فقل إن الله شهيد لي بالنبوة لأنه أوحي إليّ هذا القرآن وهذا القرآن معجز، لأنكم أنتم الفصحاء والبلغاء وقد عجزتم عن معارضته فإذا كان معجزاً، كان إظهار الله إياه على وفق دعواي شهادة من الله على كوني صادقاً في دعواي. والحاصل: أنهم طلبوا شاهداً مقبول القول يشهد على نبوته فبين تعالى أن أكبر الأشياء شهادة هوالله، ثم بيّـن أنه شهد له بالنبوة وهو المراد من قوله { وأحِيَ إليَّ هذا القُرءان لأُنذِرَكُم بِهِ ومن بَلَغَ } فهذا تقرير واضح. وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يكون المراد حصول هذه الشهادة في وحدانية الله تعالى. فاعلم أن هذا الكلام يجب أن يكون مسبوقاً بمقدمة، وهي أنا نقول: المطالب على أقسام ثلاثة: منها ما يمتنع إثباته بالدلائل السمعية فإن كل ما يتوقف صحة السمع على صحته امتنع إثباته بالسمع، وإلا لزم الدور. ومنها ما يمتنع إثباته بالعقل وهو كل شيء يصح وجوده ويصح عدمه عقلاً، فلا امتناع في أحد الطرفين أصلاً، فالقطع على أحد الطرفين بعينه لا يمكن إلا بالدليل السمعي، ومنها ما يمكن إثباته بالعقل والسمع معاً، وهو كل أمر عقلي لا يتوقف على العلم به، فلا جرم أمكن إثباته بالدلائل السمعية. إذا عرفت هذا فنقول: قوله { قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } في إثبات الوحدانية والبراءة عن الشركاء والاضداد والأنداد والأمثال والأشباه. ثم قال: { وأحِيَ إليَّ هذا القُرءان لأُنذِرَكُم بِهِ ومن بَلَغَ } أي إن القول بالتوحيد هو الحق الواجب، وأن القول بالشرك باطل مردود. المسألة الثانية: نقل عن جهم أنه ينكر كونه تعالى شيئاً. واعلم أنه لا ينازع في كونه تعالى ذاتاً موجوداً وحقيقة إلا أنه ينكر تسميته تعالى بكونه شيئاً، فيكون هذا خلافاً في مجرد العبارة.

السابقالتالي
2 3 4