الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قوله - عز وجل -: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً }.

قال بعضهم: كان يجوز لهم أن يرثوا النساء طوعاً؛ لأنه إنما نهي أن يرثوهن كرهاً، فكان فيه دليل جواز وراثتهن طوعاً.

وأما عندنا: فإنه ليس فيه دليل جواز وراثتهن طوعاً، وإن كان النهي إنما كان في حال الكره؛ لأن الأصل عندنا: أن ليس في حظر الحكم في حال دليل إباحته في حال أخرى، ولا في إباحته في حال دليل حظره في حالة أخرى، ولا في حله في حال دليل حرمته في حال أخرى، ولا في حرمته في حال دليل حله في حال أخرى، دليل ذلك قوله - تعالى -:وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [الإسراء: 31] ليس على أن لهم أن يقتلوا إذا لم يخشوا الإملاق، وقوله:إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [الأحزاب: 50] ليس فيه أنه لا يحل له؛ إذا لم يؤت أجورهن، وقوله:فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } [النساء: 3].

والقصة في الآية ما قيل: إن الرجل إذا مات وترك امرأة، كان أولياؤه أحق بامرأته من ولى نفسها: إن شاءوا تزوجوها وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يتزوجوها؛ فنزلت الآية في ذلك.

[وقيل - أيضاً -: كانوا] في أول الإسلام إذا مات الرجل أقبل أقرب الناس منه فيلقي على امرأته ثوباً فيحدث نكاحها طوعاً وكرهاً؛ فنزلت الآية في ذلك.

والآية عندنا خرجت مخرج بيان التحريم على ما كانوا يفعلون؛ دليل ذلك قوله - تعالى -: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } نهي الأبناء أن ينكحوا ما نكح آباؤهم من النساء؛ فدل أن النهي كان في الحالين جميعاً: في حال الكره والرضا، والله أعلم.

وفي قوله: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً... } الآية، تحتمل حرمة وراثتهن أبداً، وأن ذكره " كرهاً " لأوجه:

أحدها: أن ليس في ذكر الحرمة في وجه أو ذكر الحكم في حال دلالة تخصيص الحال؛ كقوله - سبحانه وتعالى -:وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [الإسراء: 31]، وقوله:فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } [النساء: 3]، وقوله - عز وجل -:إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [الأحزاب: 50] أنهن يحللن وإن لم يؤتين أجورهن، وإذا لم يصر ذلك شرطا صار كأنه قال الله - عز وجل -: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } ، والله أعلم.

والثاني: أن تكون الوراثة أبداً تكون كرهاً ويجب الميراث سواء من فيه وله أولاد إذا كان وجه الوراثة، فذكره ذلك وغير ذلك سواء.

والثالث: أنهم كانوا يتوارثون النكاح، وهو أمر لا يحتمل الانقسام، ولا عند الاشتراك بالاستمتاع، فكان ذلك على تراض منهم لواحد.

السابقالتالي
2