قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ } أصلها: المتصدقين والمتصدقات، فأدغمت التاء في الصاد. وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم: بتخفيف الصاد فيهما، بمعنى: إن المؤمنين والمؤمنات. قال أبو علي: من حجة من شدّد أنهم زعموا: أن في قراءة أبيّ: " إنَّ المتصدقين والمتصدقات " ، ومن حجتهم: أن قوله: { وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } اعتراضٌ بين الخبر والمخبر عنه، والاعتراض بمنزلة الصفة، فهو للصدقة أشدّ [ملاءمةً] منه للتصديق. ومن حجة من خفَّفَ: أن " المُصَدِّقين " أعمّ من " المتصدِّقين " ، فهو أذهب في باب المدح، والعطف بقوله: { وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ } على معنى الفعل في المصدقين؛ لأن اللام بمعنى: الذين، واسم الفاعل بمعنى: اصدقوا، كأنه قيل: إن الذين اصدّقوا وأقرضوا. { يُضَاعَفُ لَهُمْ } وقرأ ابن عامر وابن كثير: " يُضَعَّفُ " بتشديد العين من غير ألف. وقد ذكرنا تفسير ذلك في البقرة. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } مبتدأ، خبره: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ }. قال مجاهد: كُلُّ من آمن بالله ورسوله فهو صِدِّيق، ثم قرأ هذه الآية. ثم استأنف كلاماً آخر فقال: { وَٱلشُّهَدَآءُ } وهو جمع شاهد، أو شهيد. وهم الأنبياء، في قول ابن عباس، ومسروق، والكلبي، في آخرين. وقال مقاتل بن سليمان ومحمد بن جرير: هم الذين قتلوا في سبيل الله. ثم أخبر عن حال الشهداء فقال: { عِندَ رَبِّهِمْ } يعني: أنهم في جنة مخصوصة بهم في جوار ربهم عز وجل. ويجوز أن يكون الخبر: { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } ، على معنى: والشهداء في حكم ربهم لهم أجرهم الذي هو أجرهم المخصوص بهم، { وَنُورُهُمْ }. وقال قوم: الواو في قوله: " والشهداء " واو النَّسق. والمعنى: أولئك هم الصديقون، وهم الشهداء عند ربهم. قال ابن مسعود: كلُّ مؤمن صِدِّيقٌ شهيد. وقال غيره: يشهدون لأنبيائهم بتبليغ الرسالة. وقال الضحاك: نزلت في ثمانية نفر سبقوا أهل زمانهم إلى الإسلام: أبو بكر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وزيد، وحمزة بن عبد المطلب، وتاسعهم عمر بن الخطاب، ألحقه الله بهم؛ لما عَرَفَ من صِدْق نيته.