الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }

القراءة: ظلمات أجمع القراء على ضم اللام منه على الاتباع وروي في الشواذ عن الحسن وأبي السماك بسكون اللام وعن بعضهم بفتح اللام وأبو عمرو يميل الكاف من الكافرين في موضع الخفض والنصب وروي ذلك عن الكسائي والباقون لا يميلون. الحجة: الوجه في ذلك أنهم كرهوا اجتماع الضمتين فتارةً عدلوا إلى الفتح ظلمات وتارةً عدلوا إلى السكون فقالوا ظلمات وكلا الأمرين حسن في اللغة وإنما أمالوا الكاف من الكافرين للزوم كسرة الراء بعد الفاء المكسورة والراء لما فيها من التكرير تجري مجرى الحرفين المكسوريْن وكلما كثرت الكسرات غلبت الإمالة وحَسَّنتها وللقراء في الإمالة مذاهب واختلافات يطول استقصاؤها وأبو علي الفارسي رحمه الله قد بلغ الغاية وجاوز النهاية في احتجاجاتهم وذكر من التحقيق فيها والتدقيق ما ينبو عنه فهم كثير من علماء الزمان فالتعمق في إيراد أبوابها وحججها والغوص إلى لججها لا يليق بتفسير القرآن وكذلك كل يتعلق بفن القراءة من علوم الهمزة والإدغام والمد فإن لذلك كتباً مؤلفة يرجع إليها ويعول عليها فالرأي أن نُلِمَّ بأطرافها ونقتصر على بعض أوصافها فيما يأتي من الكتاب إن شاء الله تعالى. اللغة: الصيب المطر أصله صيوب فيعل من الصواب لكن اجتمعت الواو والياء وأولاهما ساكنة فصارتا ياء مشددة ومثله سيد وجيّد والسماء المعروف وكل ما علاك وأظلّك فهو سماء وسماء البيت سقفه وأصابهم سماء أي مطر وأصله سار من بيوت فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً بعد ألف زائدة وجعل يكون على وجوه أحدها: أن يتعدى إلى مفعولين نحو جعلت الطين خزفاً أي صيرت وثانيها: أن يأتي بمعنى صنع يتعدى إلى مفعول واحد نحو قولـه وجعل الظلمات والنور وثالثها: أن يأتي بمعنى التسمية كقولـه تعالى:وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً } [إِبراهيم: 30] أي سمّوا له ورابعها: أن يأتي بمعنى أفعال المقاربة نحو جعل زيد يفعل كذا والصواعق جمع صاعقة وهي الوقع الشديد من السحاب يسقط معه نار تحرق والصاعقة صيحة العذاب والحذر طلب السلامة مما يخاف. الإعراب: أو ههنا للإباحة إذا قيل لك جالس الفقهاء أو المحدثين فكلا الفريقين أهل أن يجالس فإن جالست أحدهما فأنت مطيع وإن جالست الآخر فأنت مطيع وإن جالستهما فأنت مطيع فكذلك ههنا إن مثلّت المنافقين بالمستوقد كنت مصيباً وإن مثلّتهم بأصحاب الصيب فأنت مصيب وإن مثلتهم بكلا الفريقين فأنت مصيب وتقديره أو كأصحاب ثيب حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه لأن هذا عطف على قولـه { كمثل الذي استوقد ناراً } والصيّب ليس بعاقل فلا يعطف على العاقل و يجعلون في موضع الحال من أصحاب الصيب وقولـه فيه ظلمات جملة في موضع الجر بأنها صفة صيب والضمير المتصل بفي عائد إلى صيب أو إلى السماء وحذر الموت بأنه مفعول له لأن جعلهم المعنى يفعلون ذلك لحذر الموت.

السابقالتالي
2 3