الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

وقلنا: ساعة ينادي الحق عباده الذين آمنوا به يقول سبحانه: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [النساء: 19]، فمعناها: يا مَنْ آمنتم بي بمحض اختياركم، وآمنتم بي إلهاً له كل صفات العلم والقدرة والحكمة والقيومية، ما دمتم قد آمنتم بهذا الإله اسمعوا من الإله الأحكامَ التي يطلبها منكم. إذن فهو لم يناد غير مؤمن وإنما نادى مَنْ آمن باختياره وبترجيح عقله فالحق يقول:لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ.. } [البقرة: 256]. يريد الحق سبحانه وتعالى أن يعالج قضية تتعلق بالنساء وباستضعافهم. لقد جاء الإسلام والنساء في الجاهلية في غَبْن وظلم وحيف عليهن. - وسبحانه - قال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً.. } [النساء: 19] وكلمة " ورث " تدل على أن واحداً قد توفّي وله وارث، وهناك شيء قد تركه الميت ولا يصح أن يرثه أحدٌ بعده لأنه عندما يقول: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ.. } [النساء: 19]، فقد مات موّرث ويخاطب وارثاً. إذن فالكلام في الموروث، لكن الموروث مرة يكون حِلاً، ولذلك شرع الله تقسيمه، وتناولناه من قبل، لكن الكلام هنا في متروك لا يصح أن يكون موروثاً، ما هو؟ قال سبحانه: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً.. } [النساء: 19]، وهل المقصود ألا يرث الوارث من مورثه إماء تركهن؟ لا. إن الوارث يرث من مورثه الإماء اللاتي تركهن، ولكن عندما تنصرف كلمة " النساء " تكون لأشرف مواقعها أي للحرائر، لأن الأخريات تعتبر الواحدة منهن ملك يمين، { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً.. } [النساء: 19] وهل فيه ميراث للنساء برضى؟ وكيف تورث المرأة؟ ننتبه هنا إلى قوله سبحانه { كَرْهاً.. } [النساء: 19]، وكان الواقع في الجاهلية أن الرجل إذا مات وعنده امرأة جاء وليه، ويلقي ثوبه على امرأته فتصير ملكاً له، وإن لم تقبل فإنه يرثها كرهاً، أو إن لم يكن له هوى فيها فهو يحبسها عنده حتى تموت ويرثها، أو يأتي واحد ويزوجها له ويأخذ مهرها لنفسه كأنه يتصرف فيها تصرف المالك لذلك جاء القول الفصل: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ.. } [النساء: 19]، و " العضل " في الأصل هو المنع، ويقال: " عضلت المرأة بولدها " ، ذلك أصل الاشتقاق بالضبط. فالمرأة ساعة تلد فمن فضل الله عليها أن لها عضلات تنقبض وتنبسط، تنبسط فيتسع مكان خروج الولد، وقد تعضل المرأة أثناء الولادة، فبدلاً من أن تنبسط العضلات لتفسح للولد أن يخرج تنقبض، فتأتي هنا العمليات التي يقومون بها مثل القيصرية. إذن فالعضل معناه مأخوذ من عضلت المرأة بولدها أي انقبضت عضلاتها ولم تنبسط حتى لا يخرج الوليد، وعضلت الدجاجة ببيضها أي أن البيضة عندما تكون في طريقها لتنزل فتنقبض العضلة فلا تنزل البيضة لأن اختلالاً وظيفياً قد حدث نتيجة للحركة الناقصة، ولماذا تأتي الحركة ناقصة للبسط؟ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يشأ أن يجعل الأسباب في الكون تعمل آلياً وميكانيكياً بحيث إذا وجدت الأسباب يوجد المسبب، لا.

السابقالتالي
2 3 4 5