الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود يا معشر اليهود، اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله. لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته. فقال رافع بن حرملة ووهب بن يهوذا ما قلنا هذا لكم، وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده، فأنزل الله فى قولهما قوله { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } الآية. وقوله { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } أى على انقطاع من الرسل، إذ الفترة هى الزمن بين زمنين، ويكون فيها سكون عما يكون فى هذين الزمنين. قال الراغب الفتور سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة. قال - تعالى { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } أى سكون خال عن مجىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهيُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } أى لا يسكنون عن نشاطهم فى العادة ". فأصل الفتور السكون والانقطاع. يقال فتر عن عمله إذا انقطع عما كان عليه من الجد والنشاط. والمعنى يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى، يا من أنزل الله - تعالى - الكتب السماوية على أنبيائكم لهدايتكم وسعادتكم، ها هو ذا رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد جاءكم لكى يبين لكم شرائع الدين، والطريق الحق الذى يوصلكم إلى السعادة الدينية والدنيوية، وذلك بعد انقطاع من الرسل، وطموس من السبل، وضلال فى العقائد، وفساد فى الأفكار والمعاملات. قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه قوله - تعالى - { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } أى بعد مدة متطاولة ما بين إرساله صلى الله عليه وسلم وبين عيسى ابن مريم. وقد اختلفوا فى مقدار هذه الفترة كم هى؟ فعن قتادة خمسمائة وستون سنة. وكانت هذه الفترة بين عيسى ابن مريم - آخر أنبياء بنى إسرائيل - وبين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين من بنى آدم على الإِطلاق، كما ثبت فى " صحيح البخارى " عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا أولى الناس بابن مريم ليس بينى وبينه نبى " وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبى يقال له خالد بن سنان. والمقصود من هذه الآية، أن الله - تعالى - بعث محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وطموس من السبل، وتغير الأديان، وكثرة عُبَّاد الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم النعم. وفى ندائه - سبحانه - لليهود والنصارى بقوله { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } تنبيه لهم إلى أن مصاحبتهم للكتاب وكونهم أهل معرفة، يوجبان عليهم المبادرة إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بشرت بمبعثه كتبهم التى بين أيديهم، والذى يعرفون صدقه كما يعرفون أبناءهم.

السابقالتالي
2 3