الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }

{ قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } روى الكلبـي أن كفار مكة قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد أما وجد الله تعالى رسولاً غيرك ما نرى أحداً يصدقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر فأرنا من يشهد أنك رسول الله فنزلت. وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء النحام بن زيد وقردم بن كعب وبحري بن عمرو فقالوا: يا محمد ما تعلم مع الله إلٰهاً غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا إله إلا الله تعالى بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو " فأنزل الله تعالى هذه الآية، والأول: أوفق بأول الآية والثاني: بآخرها. فأي مبتدأ و { أَكْبَرَ } خبره و { شَهَادَةً } تمييز.

والشيء في اللغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، فقد ذكر سيبويه في الباب المترجم بباب مجاري أواخر الكلم وإنما يخرج التأنيث من التذكير ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى والشيء مذكر انتهى. وهل يطلق على الله تعالى أم لا؟ فيه خلاف فمذهب الجمهور أنه يطلق عليه سبحانه فقال: شيء لا كالأشياء واستدلوا على ذلك بالسؤال والجواب الواقعين في هذه الآية وبقوله سبحانه:كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88] حيث إنه استثنى من (كل شيء) الوجه وهو بمعنى الذات عندهم وبأنه أعم الألفاظ فيشمل الواجب والممكن.

ونقل الإمام «أن جهماً أنكر صحة الإطلاق محتجاً بقوله تعالى:وَللَّهِ ٱلأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [الأعراف: 180] فقال: لا يطلق عليه سبحانه إلا ما يدل على صفة من صفات الكمال والشيء ليس كذلك»، وفي «المواقف وشرحه» الشيء عند الأشاعرة يطلق على الموجود فقط فكل شيء عندهم موجود وكل موجود شيء، ثم سيق فيهما مذاهب الناس فيه ثم قيل: والنزاع لفظي متعلق بلفظ الشيء وأنه على ماذا يطلق، والحق ما ساعد عليه اللغة والنقل إذ لا مجال للعقل في إثبات اللغات. والظاهر معنا فأهل اللغة في كل عصر يطلقون لفظ الشيء على الموجود حتى لو قيل عندهم الموجود شيء تلقوه بالقبول، ولو قيل: ليس بشيء تلقوه بالإنكار. ونحو قوله سبحانه: { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } بنفي إطلاقه بطريق الحقيقة على المعدوم لأن الحقيقة لا يصح فيها انتهى.

وفي «شرح المقاصد» أن البحث في أن المعدوم شيء حقيقة أم لا لغوي يرجع فيه إلى النقل والاستعمال وقد وقع فيه اختلافات نظراً إلى الاستعمالات. فعندنا هو اسم للموجود لما نجده شائع الاستعمال في هذا المعنى ولا نزاع في استعماله في المعدوم مجازاً ثم قال: وما نقل عن أبـي العباس أنه اسم للقديم وعن الجهمية أنه اسم للحادث، وعن هشام أنه اسم للجسم فبعيد جداً من جهة أنه لا يقبله أهل اللغة انتهى.

السابقالتالي
2 3 4