الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

وقوله تعالى: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ }: قال ابنُ زَيْد وغيره: إِتمامهما ألاَّ تفسخا، وأن تتمهما، إِذا بدأْتَ بهما، وقال ابن عَبَّاس وغيره: إِتمامهما أنْ تقضي مناسكهما كاملةً بما كان فيهما من دماء، وقال سفيانُ الثَّوْرِيُّ: إِتمامهما أنْ تخرج قاصداً لهما، لا لتجارةٍ، ولا لغيرِ ذلك؛ ويؤيد هذا قولُهُ: { لِلَّهِ }.

وفروضُ الحجِّ: النيَّة، والإِحرامُ، والطوافُ المتصلُ بالسعْيِ، يعني: طواف الإِفاضة، والسَّعْيِ بين الصفا والمروة عنْدنا؛ خلافاً لأبي حنيفة، والوقوفُ بعرفة، وزاد ابن الماجِشُونَ: جَمْرة العَقَبَة.

وقوله تعالى: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } هذه الآية نزلَتْ عام الحديبية عنْد جمهور أهل التأويل، وأجمع جمهورُ النَّاس علَىٰ أنَّ المُحْصَرَ بالعَدُوِّ يَحِلُّ حيثُ أُحْصِرَ، وينحر هَدْيه، إِن كان ثَمَّ هَدْيٌ، ويحلق رأسه، وأما المُحْصَرُ بمرضٍ، فقال مالك، وجمهور من العلماء: لا يحله إِلا البيتُ، ويقيم حتَّىٰ يُفِيقَ، وإِن أقام سنين، فإِذا وصل البيتَ، بعد فوت الحجِّ، قطع التلبيةَ في أوائل الحرم، وحلَّ بعمرة، ثم تكون عليه حجَّة قضاء، وفيها يكون الهَدْي.

و «مَا» في موضع رفعٍ، أي: فالواجبُ، أو: فعليكُمْ ما ٱستَيْسَرَ، وهو شاةٌ عند الجمهور.

وقال ابن عمر وعروة: جَملٌ دون جَمَلٍ، وبقرةٌ دون بقرة.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } الخطابُ لجميعِ الأمَّة، وقيل: للمحصَرِينَ خاصَّة، ومَحِلُّ الهَدْيِ: حيث يحل نحره، وذلك لمن لم يُحصَرْ بمِنَىٰ، والترتيب: أن يرمي الحاجُّ الجَمْرَة، ثم ينحر، ثم يَحْلِق، ثم يَطُوف للإِفاضة.

وقوله تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا... } الآية: المعنى: فحَلَق لإِزالة الأذَىٰ، { فَفِدْيَةٌ } ، وهذا هو فحْوَى الخطاب عند أكثر الأصوليِّين، ونزلَتْ هذه الآية في كَعْب بن عُجْرَةَ، حِينَ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ يَتَنَاثَرُ قملاً، فَأَمَرَهُ بِالحَلاَّقِ، ونَزَلَتِ الرخْصَةُ.

والصيامُ؛ عند مالك، وجميع أصحابه: ثلاثةُ أيامٍ، والصدقةُ ستَّة مساكين؛ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، وذلك مُدَّانِ بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والنُّسُكُ: شاة بإِجماع، ومَنْ أَتَىٰ بأفضلَ منها ممَّا يذبح أو ينحر، فهو أفضلُ والمفتدِي مخيَّر في أيِّ هذه الثلاثة شاء، حيثُ شاء من مكَّة وغيرها.

قال مالكٌ وغيره: كلَّما أتَىٰ في القرآن «أَوْ أَوْ»، فإِنه على التخْيير.

وقوله تعالى: { فَإِذَا أَمِنتُمْ } ، أي: من العدُوِّ المُحْصِرِ، قاله ابن عبَّاس وغيره، وهو أشبهُ باللَّفظ، وقيل: معناه: إِذا برأتم من مَرَضِكم.

وقوله سُبحانه: { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ... } الآية.

قال ابن عبَّاس وجماعةٌ من العلماء: الآيةُ في المحصَرين وغيرهم، وصورة المتمتِّع أنْ تجتمعَ فيه ستَّةُ شروطٍ، أن يكون معتمراً في أشْهُر الحجِّ، وهو من غير حاضِرِي المَسْجِد الحرام، ويحل وينشىء الحَجَّ من عَامِهِ ذلك، دون رُجُوع إِلى وطنه، أو ما ساواه بُعْداً، هذا قول مالِكٍ، وأصحابه، وٱختلفَ، لِمَ سُمِّيَ متمتعاً.

السابقالتالي
2