الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فَصَلِّ } أي أقم الصلاة المفروضة عليك كذا رواه الضحاك عن ابن عباس. وقال قتادة وعطاء وعِكرمة: «فصل لِربك» صلاة العيد يوم النحر. «وانْحَرْ» نُسُكك. وقال أنس: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينحر ثم يصلي، فأُمِر أن يُصَلِّي ثم يَنْحَر. وقال سعيد بن جبير أيضاً: صَلِّ لربك صلاة الصبح المفروضة بَجْمعٍ، وانْحرِ البُدْن بِمنًى. وقال سعيد بن جبير أيضاً: نزلت في الحُدَيْبِيَةِ حين حُصِر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن البيت، فأمره الله تعالى أن يُصلِّيَ ويَنْحَر البُدْنَ وينصرف ففعل ذلك. قال ابن العربيّ: «أما من قال: إن المراد بقوله تعالى: { فَصَلِّ } الصلوات الخمس فلأنها ركن العبادات، وقاعدة الإسلام، وأعظم دعائم الدين. وأما من قال: إنها صلاة الصبح بالمزدَلِفة فلأنها مقرونة بالنحْر، وهو في ذلك اليوم، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرَها فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحْر». قلت: وأما من قال إنها صلاة العِيد فذلك بغير مكة إذ ليس بمكة صلاة عيدٍ بإجماع، فيما حكاه ابن عمر. قال ابن العربيّ: «فأما مالك فقال: ما سمعت فيه شيئاً، والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة يوم النحْر، والنحْر بعدها». وقال عليّ رضي الله عنه ومحمد بن كعب: المعنى ضع اليُمْنَى على اليسرى حِذاء النحْر في الصلاة. ورُوِي عن ابن عباس أيضاً. وروي عن عليّ أيضاً: أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره. وكذا قال جعفر بن عليّ: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } قال: يرفع يديه أوّلَ ما يُكَبِّر للإحرام إلى النحر. وعن عليّ رضي الله عنه قال: لما نزلت { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } " قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما هذه النحِيرة التي أمرني الله بها»؟ قال: «ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة، أن ترفع يديكَ إذا كَبَّرت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة» " وعن أبي صالح عن ابن عباس قال: استَقْبِل القبلة بنحرك وقاله الفرّاء والكلبيّ وأبو الأحوص. ومنه قول الشاعر:
أبا حكم ما أَنْتَ عَمُّ مُجالِدٍ   وسَيِّدُ أهلِ الأَبطَحِ المُتَناحِرِ
أي المتقابل. قال الفرّاء: سمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر أي نتقابل، نحر هذا بنحر هذا أي قُبالتِه. وقال ابن الأعرابيّ: هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المِحراب من قولهم: منازلهم تتناحر أي تتقابل. ورُوي عن عطاء قال: أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره. وقال سليمان التَّيمِيّ: يعني وارفع يدك بالدعاء إلى نحرك. وقيل: «فَصلِّ» معناه: واعبد.

السابقالتالي
2 3