الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } روى الدَّارِمي أبو محمد في مسنده أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن سَلاَم قال: قَعَدَنا نَفَرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله تعالى لعملناه فأنزل الله تعالى { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } حتى ختمها. قال عبد الله: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها. قال أبو سلمة: فقرأها علينا ابن سَلاَم. قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى وقرأها علينا الأوزاعي وقرأها علينا محمد. وقال ابن عباس قال عبد الله بن رَوَاحة: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملناه. فلما نزل الجهاد كرهوه. وقال الكلبي: قال المؤمنون يا رسول الله، لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لسارعنا إليها فنزلت { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } فمكثوا زماناً يقولون: لو نعلم ما هي لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين فدلهم الله تعالى عليها بقوله: { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } الآية. فابْتُلُوا يوم أُحُد ففرّوا فنزلت تعيّرهم بترك الوفاء. وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة: اللهم اشهد! لئن لقينا قتالاً لنُفْرِغَنّ فيه وُسْعَنا ففروا يوم أُحُد فعيّرهم الله بذلك. وقال قتادة والضحاك: نزلت في قوم كانوا يقولون: نحن جاهدنا وأبْلَيْنا ولم يفعلوا. وقال صُهيب: " كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر وأنكاهم فقتلته. فقال رجل يا نبيّ الله، إني قتلت فلانا، ففرح النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك. فقال عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عَوْف: يا صُهيب، أما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلت فلانا! فإن فلانا انتَحَل قتله فأخبره فقال:«أكذلك يا أبا يحيى»؟ قال نعم، والله يا رسول الله " فنزلت الآية في المنتحِل. وقال ابن زيد: نزلت في المنافقين كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا. الثانية ـ: هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها. وفي صحيح مسلم عن أبي موسى أنه بعث إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلثمائة رجلٍ قد قرءوا القرآن فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم، فاتْلُوه ولا يَطُولَنّ عليكم الأمد فتَقْسُوَ قلوبكم كما قستْ قلوب من كان قبلكم.

السابقالتالي
2 3