الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي قاربن انقضاء أجل العدة لا انقضاء أجلهن، والمراد من بلوغ الأجل هنا مقاربة البلوغ، وقد مر تفسيره. قال صاحب «الكشاف»: هو آخر العدة وشارفته، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك بالمعروف، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة، وإتقاء الضرار وهو أن يراجعها في آخر العدة، ثم يطلقها تطويلاً للعدة وتعذيباً لها. وقوله تعالى: { وَأَشْهِدُواْ ذَوى عَدْلٍ مّنْكُمْ } أي أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة ذوي عدل، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كما في قوله:وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [البقرة: 282] وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة، وقيل: فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث، وقيل: الإشهاد إنما أمروا به للاحتياط مخافة أن تنكر المرأة المراجعة فتنقضي العدة فتنكح زوجاً. ثم خاطب الشهداء فقال: { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ } وهذا أيضاً مر تفسيره، وقوله: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } قال الشعبي: من يطلق للعدة يجعل الله له سبيلاً إلى الرجعة، وقال غيره: مخرجاً من كل أمر ضاق على الناس، قال الكلبي: ومن يصبر على المصيبة يجعل الله له مخرجاً من النار إلى الجنة، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة، " وقال أكثر أهل التفسير: أنزل هذا وما بعده في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابناً له فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة فقال له: " اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله " ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه، وقد غفل عنه العدو، فأصاب إبلاً وجاء بها إلى أبيه، وقال صاحب «الكشاف»: فبينا هو في بيته، إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها، فذلك قوله: ويرزقه من حيث لا يحتسب ويجوز أنه إن اتقى الله وآثر الحلال والصبر على أهله فتح الله عليه إن كان ذا ضيق { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } وقال في «الكشاف»: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة كما مر. وقوله تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي من وثق به فيما ناله كفاه الله ما أهمه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله " وقرىء: { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } بالإضافة { وبالغ أمره } أي نافذ أمره، وقرأ المفضل { بالغاً أمره } ، على أن قوله { قَدْ جَعَلَ } خبر { إن } ، و { بالغاً } حال.

السابقالتالي
2