الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قال تعالى ذكره: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } ، يعنى مناسك الحج والعمرة، وذلك أن الحمس، قريشاً، وخزاعة، وكنانة، وعامر بن صعصعة، كانوا يستحلون أن يغير بعضهم على بعض فى الأشهر الحرم وغيرها، وكانوا لا يسعون بين الصفا والمروة، وكانوا لا يرون الوقوف بعرفات من شعائر الله، فلما أسلموا أخبرهم الله عز وجل بأنها من شعائر الله، فقال عز وجل:ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } [البقرة: 158].

وأمر سبحانه أن يسعى بينهما، فأنزل الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } ، يقول: لا تستحلوا القتل فى الشهرا الحرام، وذلك أن أبا ثمامة جنادة بن عوف بن أمية من بنى كنانة كان يقوم كل سنة فى سوق عكاظ، فيقول: ألا إنى قد أحللت المحرم، وحرمت صفراً، وأحللت كذا، وحرمت كذا، ما شاء، وكانت العرب تأخذ به، فأنزل الله تعالى: { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعنى جنادة بن عوف، { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } ، يعنى خلافاً على الله جل اسمه وعلى ما حرم،فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } [التوبة: 37] من الأشهر الحرم.

ثم رجع إلى الآية الأولى فى التقديم، فقال تعالى: { وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } ، كفعل أهل الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يصيبون من الطريق، قال: وكان فى الجاهلية من أراد الحج من غير أهل الحرم، يقلد نفسه من الشعر والوبر، فيأمن به إلى مكة، وإن كان من أهل الحرم، قلد نفسه وبعيره من لحيا شجر الحرم، فيأمن به حيث يذهب، فهذا فى غير أشهر الحرم، لم يقلدوا أنفسهم ولا أباعرهم وهم يأمنون حيث ما ذهبوا.

قال عز وجل: { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } ، يعنى متوجهين نحو البيت، نزلت فى الخطيم، يقول: لا تتعرضوا الحجاج بيت الله، { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ } ، يعنى الرزق فى التجارة فى مواسم الحج، { وَرِضْوَاناً } ، يعنى رضوان الله بحجهم، فلا يرضى الله عنهم حتى يسلموا، فنسخت آية السيف هذه الآية كلها.

قوله سبحانه: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ } من الإحرام، { فَٱصْطَادُواْ } ، يقول: إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا، { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } ، يقول: ولا يحملنكم عداوة المشركين من أهل مكة، { أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ، يعنى منعوكم من دخول البيت الحرام أن تطوفوا به عام الحديبية، { أَن تَعْتَدُواْ } ، يعنى أن ترتكبوا معاصيه، فتستحلوا أخذ الهدى والقلائد والقتل فى الشهر الحرام من حجاج بكر بن وائل من أهل اليمامة، نزلت فى الخطيم، واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمر بن جرثوم البكرى، من بنى قيس بن ثعلبة، وفى حجاج المشركين، وذلك " أن شريح بن ضبيعة جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، اعرض علىَّ دينك، فعرض عليه وأخبره بما له وبما عليه، فقال له شريح: إن فى دينك هذا غلظاً، فأرجع إلى قومى فأعرض عليهم ما قلت، فإن قبلوه كنت معهم، وإن لم يقبلوه كنت معهم.

فخرج من عند النبى صلى الله عليه وسلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " لقد دخل بقلب كافر، وخرج بوجه غادر، وما أرى الرجل بمسلم "

السابقالتالي
2