الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } * { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ذكر أهل التفسير أنها: " نزلت في حاطب بن أبي بَلْتَعَة، وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صَيْفيّ بن هاشم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهَّزُ لفتح مكة، فقال لها: «أمسلمةً جئتِ؟» قالتْ: لا، قال: «فما جاء بكِ؟» قالت: أنتم الأهل، والعشيرة، والموالي، وقد احتجت حاجةً شديدة، فقدِمت إليكم لتعطوني. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين أنتِ من شباب أهل مكة؟» وكانت مغنية، فقالت: ما طُلِبَ مني شيءٌ بعد وقعة بدر، فحثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب، فَكَسَوْها، وحملوها، وأعطَوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة، فكتب معها كتاباً إلى أهل مكة، وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل الكتاب إِلى أهل مكة، [وكتب في الكتاب: مِن حاطب إلى أهل مكة] إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فخذوا حذركم. فخرجت به سارة، ونزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، وعماراً، والزبير، وطلحة، والمقداد، وأبا مَرْثَدٍ، وقال: «انطلقوا حتى تأتوا «روضة خاخ»، فإن فيها ظعينةً معها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها، وخَلُّوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها» فخرجوا حتى أدركوها، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب، ففتشوا متاعها فلم يجدوا شيئاً فهمُّوا بالرجوع. فقال عليٌّ: والله ما كَذَبْنَا ولا كُذِّبْنَا، وسلَّ سيفه، وقل أخرجي الكِتابَ، وإلا ضربت عنقكِ، فلما رأت الجِدِّ أخرجته من ذؤابتها، فخلَّوا سبيلها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى حاطب، فأتاه، فقال له: «هل تعرف الكتاب؟» قال: نعم. قال: «فما حملك على ما صنعت؟» فقال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلاَّ وَلَه بمكة من يمنع عشيرته، وكنت [غريباً] فيهم، وكان أهلي بين ظهرانَيْهم، فخشيتُ على أهلي، فأردت أن أَتَّخِذَ عندهم يداً، وقد علمتُ أن الله ينزل بهم بأسه، وكتابي لا يغني عنهم شيئاً، فصدَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعذَرَهُ، ونزلت هذه السورة تنهى حاطباً عما فعل، وتنهى المؤمنين أن يفعلوا كفعله، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك يا عمر لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقالوا: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» "

السابقالتالي
2