الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }

{ فَإِذَا بَلَغْنَ } أي: المطلقات اللواتي في عدة { أَجَلَهُنَّ } يعني: آخر العدة. أي: إذا قرب انقضاؤه وشارفنه { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي: فراجعوهن بما أمركم الله به من الحقوق التي أوجبها الله لهن من النفقة والكسوة والمسكن وحسن الصحبة { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي: اتركوهن حتى تنقضي عددهن فيبن منكم بمعروف، وهو إيفاؤهن ما لهن من حق، كالصداق والمتعة على ما أوجب عليه لهن.

{ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } أي: أشهدوا عند الرجعة والفرقة من يرضى دينهما وأمانتهما.

قال ابن عباس: فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين وإن لم يراجعها، فإذا انقضت عدتها، فقد بانت منه بواحدة، وهي أملك بنفسها، ثم تتزوج من شاءت هو أو غيره.

وهذا الإشهاد على المراجعة والطلاق مندوب، ومنهم من ذهب إلى وجوبه عليهما، ومنهم من فرق بين المراجعة فأوجبه فيها، وبين الطلاق فاستحبه. وظاهر الأمر في الآية الوجوب فيهما، والترجيح يجب أن يكون بدليل مرجح. ومما يؤيد الوجوب أن الأوامر في الآية كلها قبل وبعد، للوجوب إجماعاً، ولا دليل يصرف الأمر بالإشهاد عن ظاهره، فبقي كسابقه ولاحقه، وإن كان القِرَان لا يفيد المشاركة في الحكم، إلا أنه عاضد ومؤيد وإذا لم يوجد صارف. ثم الأمر بالإشهاد عند الطلاق، يدل على أن الحلف بالطلاق، أو تعليق وقوعه بأمر كله مما لا يعد طلاقاً في الشرع؛ لأن ما طلب فيه الإشهاد، لا بد أن ينوي فيه إيقاعه ويعزم عليه ويتهيأ له. وجدير بعصمة ينوي حلها، وكانت معقودة أوثق عقد أن يشهد عليه بعد أن يسبقها مراجعة من حَكَمين من قبل الزوجين، كما أشارت إليه آية الحكم. فليتدبر الطلاق المشروع، والطلاق المبتدع، وبالله التوفيق.

قال الزمخشري: قيل: فائدة الإشهاد: أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث.

{ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أي: لوجهه خالصاً، وذلك أن يقيموها لا للمشهود له، ولا للمشهود عليه ولا لغرض من الأغراض، سوى إقامة الحق، ودفع الظلم، كقوله تعالى:كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } [النساء: 135] انتهى.

وتدل الآية على حظر أخذ الأجرة على أداء الشهادة، ويؤيده قوله تعالى: { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فإن المشار إليه هو الحث على إقامة الشهادة لوجه الله، ولأجل القيام بالقسط، ويحتمل عوده على جميع ما في الآية.

{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً }.