الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

قوله تعالى: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: شَارَفْنَ انقضاء عدتهن.

وما لم أُفسِّره في هذه الآية مذكور في البقرة.

قوله تعالى: { وَأَشْهِدُواْ } يعني: على الرجعة { ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } وهل الإشهاد عليها واجب أو مستحب؟ فيه عن الإمام أحمد روايتان، وللشافعي قولان.

وقال جماعة من المفسرين: أُمروا أن يُشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة.

ثم خاطب الله الشهداء فقال: { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أي: لوجه الله خالصاً، لا للمشهود له، ولا للمشهود عليه، ولا لغرض فاسد، بل لإقامة الحق، ودفع الظلم.

وما بعده مُفسَّر في البقرة إلى قوله: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } قال أكثر المفسرين: " نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، أسَرَ العدو ابناً له، فذكر [ذلك] للنبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الفاقة، فقال له: اتّق الله واصبر، وأكثرْ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل الرجل ذلك، فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو، فأصاب إبلاً. وقيل: ساق أربعة آلاف شاة، وجاء إلى أبيه، فذلك قوله: { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } ".

وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد بإسناده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } ، فما زال يقولها ويعيدها ".

وقال ابن عباس: ومن يتق الله يُنجه من كل كربٍ في الدنيا والآخرة.

وقال الربيع بن خثيم: يجعل له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس.

وحدثني جماعة من أشياخي عن الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن هبيرة رحمه الله قال: أنشدني المستنجد بالله أمير المؤمنين رحمه الله:
بتَقْوَى الإلهِ نَجَا مَنْ نَجَا   وفَازَ وأدْرَكَ ما قَدْ رَجَا
ومنْ يتَّقِ اللهَ يجعلْ له   كما قَالَ من أمره مَخْرجا
وقال بعض العلماء: هذه جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، وطريقه الأحسن، والأبعد من الندم.

ويكون المعنى: ومن يتق الله فيطلّق للسّنّة، ولم يضارّ المعتدّة ولم يخرجها من مسكنها، واحتاط [فأشهد]، يجعل له مخرجاً من الغموم، والوقوع في المضايق، ويكون بسبيل من الارتجاع.

ويروى أن رجلاً سأل ابن عباس وقد طَلَّقَ أكثر من ثلاث فقال: لَمْ تتق الله فلم يجعل لك مخرجاً، بَانَتْ منك بثلاث، والزيادة إثمٌ في عنقك.

{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي: كافيه في كل أمر يحذره، أو كرب يقع فيه.

أخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم: توكّل عليّ أكْفِك، ولا تولّى غيري فأخذلك.

قوله تعالى: { إن الله بالغ أمره } وقرأ حفص: " بالغُ أمره " على الإضافة.

وقد سبق ذكر نظائره في مواضع آخرها في سورة الصف عند قوله:وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } [الصف: 8].

فإن قيل: ما وجه قراءة من قرأ: " بالغاً " بالنصب؟

قلتُ: نصبه على الحال، وخبر " إنَّ ": { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } ، ومعناه: تقديراً وتوقيتاً. فكل شيء من الرزق وغيره له قدرٌ وأجلٌ وحَدٌ ينتهي إليه.

وفي هذا تقرير لمعنى التوكل على الله والتفويض إليه.