الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } الآية.

لمَّا بيَّن أن الإيمان لا يحصل إلا بالطاعة قال: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } يقال: " وَجِلَ " الماضي بالكسر " يَوْجَلُ " بالفتح، وفيه لغة أخرى، قُرىء بها في الشَّاذ وجَلَتْ بفتح الجيم في الماضي وكسرها في المضارع، فتحذف الواو، كـ: وعَدَ يَعِدُ، ويقال في المشهورة: وجِلَ يَوْجَل، ومنهم من يقول " يَاجَلُ " بقلب الواو ألفاً، وهو شاذٌّ؛ لأنَّه قلْبُ حرفِ العلّة بأحد السَّببينِ وهو انفتاحُ ما قبل حرفِ العلَّةِ دون تحركه وهو نظيرُ " طَائِيٍّ " في النَّسب إلى " طَيِّىء ".

ومنهم من يقول: " يبجَلُ " بكسر حرف المضارعة، فتقلب الواوُ ياءً، لسكونها وانكسار ما قبلها، وقد تقدَّم في أول الكتاب أنَّ من العرب من يكسرُ حرف المضارعةِ بشروطٍ منها: أن لا يكون حرفُ المضارعة ياءً إلاَّ في هذه اللَّفظةِ، وفي أبي يِئْبَى. ومنهم من ركَّب من هاتين اللغتين لغةً أخرى وهي فتحُ الياء وقلبُ الواو ياءً، فقال " يَيْجَلُ " فأخذ قلب الواو ممَّن كسر حرف المضارعة، وأخذ فتحَ الياءِ من لغة الجمهور.

والوَجَلُ: الفزَعُ.

وقيل: استشعارُ الخوف يقال منه: وجِلَ يُوْجَلُ، ويَاجَلُ، ويَيْجَلُ، ويِيجَلُ، وَجَلاً فهو وَجِلٌ.

فصل

معنى الآية: إنَّما المؤمنون الصَّادقون في إيمانهم: { الذين إذا ذُكر اللهُ وجلتْ قلوبُهمْ } خافت وفرقت، وقيل: إذا خوفوا باللَّهِ انقادُوا خوفاً من عقابه. { وإذا تُليَتْ عليهم آياتُهُ زادتهم إيماناً } وتصديقاً ويقيناً، قال عمر بن حبيب وكانت له صحبة: إن للإيمان زيادةً ونقصاناً، قيل فما زيادته؟ قال: إذا ذكرنا الله وحمدناه فذلك زيادته، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه.

وكتب عمرُ بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: " إنَّ للإيمان فرائضَ وشرائعَ وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان ".

ثم قال: { وعلى ربِّهم يتوكَّلون } يفوضون إليه أمورهم، ويثقون به، ولا يرجون غيره، فالتَّقديمُ يفيدُ الاختصاص، أي: عليه لا على غيره، وهذه الجملةُ يحتمل أن يكونَ لها محلٌّ من الإعراب، وهو النَّصْبُ على الحالِ من مفعول: زادَتْهُم، ويحتمل أن تكون مستأنفة، ويحتمل أن تكون معطوفة على الصِّلةِ قبلها، فتدخل في حيِّز الصلاتِ المتقدِّمةِ. وعلى الوجهين فلا محلَّ لها من الإعراب.