الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }

الفاء في قوله تعالى: { فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إعطاءه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام ما ذكر من العطية التي لم يعطها أحداً من العالمين مستوجب للمأمور به أي استيجاب أي فدم على الصلاة لربك الذي أفاض عليك ما أفاض من الخير خالصاً لوجهه عز وجل خلاف الساهين عنها المرائين فيها أداء لحق شكره تعالى على ذلك فإن الصلاة جامعة لجميع أقسام الشكر ولذا قيل { فَصَلّ } دون فاشكر { وَٱنْحَرْ } البدن التي هي خيار أموال العرب باسمه تعالى وتصدق على المحاويج خلافاً لمن يَدُعُّهم ويمنع عنهم الماعون كذا قيل، وجعل السورة عليه كالمقابلة لما قبلها كما فعل الإمام ولم يذكروا مقابل التكذيب بالدين. وقال الشهاب الخفاجي ((إن الكوثر بمعنى الخير الكثير الشامل للأخروي يقابل ذلك لما فيه من إثباته ضمناً وكذا إذا كان بمعنى النهر والحوض)) والأمر على تفسيره بالإسلام وتفسير الدين به أيضاً في غاية الظهور.

والمراد بالصلاة عند أبـي مسلم الصلاة المفروضة وأخرج ذلك ابن جرير وابن أبـي حاتم عن الضحاك وأخرجه الأول وابن المنذر عن ابن عباس وذهب جمع إلى أنها جنس الصلاة وقيل المراد بها صلاة العيد وبالنحر التضحية أخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال كانت هذه الآية يوم الحديبية أتاه جبريل عليهما الصلاة والسلام فقال انحر وارجع فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب خطبة الأضحى ثم ركع ركعتين ثم انصرف إلى البدن فنحرها فذلك قوله تعالى: { فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } واستدل به على وجوب تقديم الصلاة على التضحية وليس بشيء. وأخرج عبد الرزاق وغيره عن مجاهد وعطاء وعكرمة أنهم قالوا المراد صلاة الصبح بمزدلفة والنحر بمنى والأكثرون على أن المراد بالنحر نحر الأضاحي واستدل به بعضهم على وجوب الأضحية لمكان الأمر مع قوله تعالىوَٱتَّبِعُوهُ } [الأعراف: 158] وأجيب بالتخصص بقوله صلى الله عليه وسلم " ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم الضحى / والأضحية والوتر "

وأخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي الأحوص أنه قال { وَٱنْحَرْ } أي استقبل القبلة بنحرك وإليه ذهب الفراء وقال يقال منازلهم تتناحر أي تتقابل وأنشد قوله:
أبا حكم هل أنت عم مجالد   وسيد أهل الأبطح المتناحر
وأخرج ابن أبـي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في «سننه» عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال " لما نزلت هذه السورة على النبـي صلى الله عليه وسلم { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ } الخ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربـي فقال إنها ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذي هم في السماوات السبع وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة "

السابقالتالي
2