الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً }

ولو باعتبار آخر داخل وهو مما لا بأس به إن لم يكن النزول بعد تمام الدخول وقيل المراد جنس نصر الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين وجنس الفتح فيعم ما كان في أمر مكة زادها الله تعالى شرفاً وغيره وأمر الاستقبال عليه ظاهر وأياً ما كان فالمراد بالمجىء الحصول وهو حقيقة فيه على ما يقتضيه ظاهر كلام الراغب وقال القاضي مجاز.

والظاهر أن الخطاب في { رَأَيْتَ } للنبـي عليه الصلاة والسلام والرؤية بصرية أو علمية متعدية لمفعولين و(الناس) العرب و(دين الله) ملة الإسلام التي لا دين له تعالى يضاف إليه غيرها والأفواج جمع فوج وهو على ما قال الراغب الجماعة المارة المسرعة ويراد به مطلق الجماعة قال الحوفي وقياس جمعه أفوج ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدل إلى أفواج وفي «البحر» قياس فعل صحيح العين أن يجمع على أفعل لا على أفعال ومعتل العين بالعكس فالقياس فيه أفعال كحوض وأحواض وشذ فيه أفعل كثوب وأثوب. ونصب { أَفْوَاجاً } على الحال من ضمير { يَدْخُلُونَ } وأما جملة { يَدْخُلُونَ } فهي حال من (الناس) على الاحتمال الأول في الرؤية ومفعول ثان على الاحتمال الثاني فيها وكونها حالاً أيضاً بجعل { رَأَيْتَ } بمعنى عرفت كما قال الزمخشري تعقبه أبو حيان بقوله لا نعلم أن رأيت جاءت بمعنى عرفت فيحتاج في ذلك إلى استثبات.

والمراد بدخول الناس في دينه تعالى أفواجاً أي جماعات كثيرة، إسلامهم من غير قتال وقد كان ذلك بين فتح مكة وموته عليه الصلاة والسلام وكانوا قبل الفتح يدخلون فيه واحداً واحداً واثنين اثنين أخرج البخاري عن عمرو بن سلمة قال «لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تَتَلَّوم بإسلامها فتح مكة فيقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبـي» وعن الحسن قال «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت الأعراب أما إذ ظفر بأهل مكة وقد أجارهم الله تعالى من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فدخلوا في دين الله تعالى أفواجاً» وقال أبو عمر بن عبد البر لم يتوف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف منهم من قدم ومنهم من قدم وافده وتأول ذلك ابن عطية فقال المراد والله تعالى أعلم العرب عبدة الأوثان فإن نصارى بني تغلب ما أراهم أسلموا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أعطوا الجزية ونص بعضهم على أنهم لم يسلموا إذ ذاك فالمراد بالناس عبدة الأوثان من العرب كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن ونحوهم.

السابقالتالي
2