الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }

{ وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمُ } شروع في تفصيل موارد الاتقاء على أتم وجه؛ وبدأ بما يتعلق باليتامى إظهاراً لكمال العناية بشأنهم ولملابستهم بالأرحام إذ الخطاب للأوصياء والأولياء وقلما تفوض الوصاية لأجنبـي، واليتيم ـ من الإنسان من مات أبوه، ومن سائر الحيوانات فاقد الأم ـ من اليتم وهو الانفراد، ومن هنا يطلق على كل شيء عزَّ نظيره، ومنه الدرة / اليتيمة وجمع على يتامى مع أن فعيلاً لا يجمع على فعالى بل على فعال ـ ككريم وكرام، وفعلاء ـ ككريم وكرماء ـ وفعل ـ كنذير ونذر ـ وفعلى ـ كمريض ومرضى ـ إما لأنه أجري مجرى الأسماء، ولذا قلما يجري على موصوف فجمع على يتايم كأفيل وأفايل، ثم قلب فقيل: يتامى بالكسر، ثم خفف بقلب الكسرة فتحة فقلبت الياء ألفاً، وقد جاء على الأصل في قوله:
أأطلال حسن بالبراق (اليتايم)   سلام على أحجاركنّ القدايم
أو لأنه جمع أولاً على يتمى، ثم جمع يتمى على يتامى إلحاقاً له بباب الآفات والأوجاع، فإن فعيلاً فيها يجمع على فعلى، وفعلى يجمع على فعالى كما جمع أسير على أسرى ثم على أسارى، ووجه الشبه ما فيه من الذل والانكسار المؤلم، وقيل: ما فيه من سوء الأدب المشبه بالآفات، والاشتقاق يقتضي صحة إطلاقه على الصغار والكبار لكن الشرع ـ وكذا العرف ـ خصصه بالصغار، وحديث " لا يتم بعد احتلام " تعليم للشريعة لا تعيين لمعنى اللفظ.

والمراد بإيتاء أموالهم تركها سالمة غير متعرض لها بسوء فهو مجاز مستعمل في لازم معناه لأنها لا تؤتى إلا إذا كانت كذلك، والنكتة في هذا التعبير الإشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الغرض من ترك التعرض إيصال الأموال إلى من ذكر لا مجرد ترك التعرض لها، وعلى هذا يصح أن يراد باليتامى الصغار على ما هو المتبادر، والأمر خاص بمن يتولى أمرهم من الأولياء والأوصياء، وشمول حكمه لأولياء من كان بالغاً عند نزول الآية بطريق الدلالة دون العبارة، ويصح أن يراد من جرى عليه اليتم في الجملة مجازاً أعم من أن يكون كذلك عند النزول، أو بالغاً فالأمر شامل لأولياء الفريقين صيغة موجب عليهم ما ذكر من كف الكف عنها، وعدم فك الفك لأكلها، وأما وجوب الدفع إلى الكبار فمستفاد مما سيأتي من الأمر به، وقيل: المراد من الإيتاء الإعطاء بالفعل، واليتامى إما بمعناه اللغوي الأصلي فهو حقيقة وارد على أصل اللغة، وإما مجاز باعتبار ما كان أوثر لقرب العهد بالصغر، والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حتى كأن اسم اليتيم باق بعد غير زائل، وهذا المعنى يسمى في الأصول بإشارة النص، وهو أن يساق الكلام لمعنى ويضمن معنى آخر، وهذا في الكون نظير المشارفة في الأول، وقيل: يجوز أن يراد باليتامى الصغار، ولا مجاز بأن يجعل الحكم مقيدا كأنه قيل: وآتوهم إذا بلغوا، وردّ بأنه قال في «التلويح»: إن المراد من قوله تعالى: { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } وقت البلوغ باعتبار ما كان، فإن العبرة بحال النسبة لا بحال التكلم، فالورود للبلغ على كل حال.

السابقالتالي
2 3 4 5