الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ }

والخطاب هنا للمشركين. وتساءل البعض: كيف يتأتى أن يكون خطاب الحق في الآية الأولى للمسلمين بالبراءة من المشركين، ثم يأتي خطاب من الله للمشركين؟. وقال بعض العلماء إنه ما دامت البراءة قد صدرت من الله، فكأن الله تعالى يقول للمؤمنين قولوا للمشركين: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.. } [التوبة: 2]. ولكننا نرد على هذا بأن المعاهدة تكون بين اثنين، ولذلك لا بد أن يكون هناك خطاب للذين قطعوا، وخطاب للمقطوعين، ويتمثل خطاب الذين قطعوا في قوله تعالى:بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 1]. وخطابه للمقطوعين يتمثل في قوله سبحانه وتعالى: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.. } [التوبة: 2]. ومن سماحة هذا الدين الذي أنزله الحق تبارك وتعالى أن المولى سبحانه يعطي مهلة لمن قطعت المعاهدة معهم، فأعطاهم مهلة أربعة أشهر حتى لا يقال إن الإسلام أخذهم على غرة، بل أعطاهم أربعة أشهر ومن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر فسوف يستمر العهد إلى ميعاده. { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.. } [التوبة: 2]. وكلمة " فسيحوا " تعطي ضماناً إيمانياً، فـ " ساح " معناها سار ببطء، وهناك " ساح الشيء " و " سال الشي " عندما تقول: " سال الماء " أي تدفق وسال، وأنت تشاهده سائلاً. وإن قلت: " ساح السمن " أي سار ببطء لا يدرك حتى صار سائلاً. ولماذا قال الحق سبحانه وتعالى { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ }؟. والإجابة: أن سماحة الإسلام تمنع أن نأخذكم على غرة، وعلى الذين قطع الإسلام معهم العهد أن يسيروا وهم مطمئنون وفي أمن وأمان ولا يتعرض لهم أحد. ووقف العلماء عند تحديد أربعة الأشهر، ونظر بعضهم إلى تاريخ النزول، وقد نزلت هذه الآية في شوال إذن فتكون الأشهر الأربعة هي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وقال علماء آخرون: إن ساعة النزول لا علاقة لها بالأشهر الأربعة، وإن الأشهر الأربعة تبدأ من ساعة الإبلاغ أي في الحج لأن الله تعالى يقول:وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ.. } [التوبة: 3]. وعلى ذلك فتكون من يوم العاشر من ذي الحجة إلى يوم العاشر من ربيع الآخر. وقال بعض العلماء: إن نزول هذه الآية كان في عام النسيء الذي كان الكفار يؤخرون ويقدمون في الأشهر الحرم، والذي قال فيه الله سبحانه وتعالى:إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ.. } [التوبة: 37]. وأضاف صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه أبو بكرة حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال:

السابقالتالي
2 3