الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } * { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }

وقوله سبحانه: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ... } الآية، قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: يكتب الملكانِ جميعَ الكلام، فيثبت اللَّه من ذلك الحسناتِ والسيئات، ويمحو غيرَ هذا، وهذا هو ظاهر هذه الآية، قال أبو الجوزاء، ومجاهد: يكتبان عليه كُلَّ شيء حتى أنينه في مرضه، وقال عِكْرَمَةُ: يكتبان الخير والشَّرَّ فقط؛ قال * ع *: والأوَّلُ أصوب.

* ت *: وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: " كُلُّ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ، فَإنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً، فَأَحَبَّ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّه، فَلْيَأْتِ، فَلْيَمُدَّ يَدَيْهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهَا، لاَ أَرْجِعُ إلَيْهَا أَبَداً، فَإنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ في عَمَلِهِ ذَلِكَ " رواه الحاكم في «المستدرك»، وقال: صحيح على شرط الشيخين، يعني البخاريَّ ومسلماً، انتهى من «السِّلاح»، قال النَّوَوِيُّ ـــ رحمه اللَّه تعالى ـــ: ينبغي لكل مُكَلَّفٍ أَنْ يحفظ لسانه من جميع الكلام إلاَّ كلاماً تظهر فيه مصلحته، ومتى استوى الكلامُ وتركه بالمصلحة فالسُّنَّةُ الإمساكُ؛ فإنَّهُ قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وهذا هو الغالب، والسلامة لا يعدلها شيءٌ، وقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاريُّ ومسلم أَنَّه قال: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ " وهو نَصٌّ صريح فيما قلناه، قال: ورُوِّينَا في «كتاب الترمذيِّ» و«ابن ماجه» عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: " مِنْ حُسْنِ إسْلاَم المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ " قال الترمذيُّ: حديث حسن، وفيه عن عُقْبَةَ بن عامر " قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وٱبْكِ عَلَىٰ خَطِيئَتِكَ " قال الترمذيُّ: حديث حسن، وفيه عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ " قال الترمذيُّ: حديث حسن، انتهى، والرقيب: المُرَاقِبُ، والعتيد: الحاضر.

وقوله: { وَجَاءَتْ } عطف، عندي، على قوله: { إِذْ يَتَلَقَّى } فالتقدير: وإذ تجيء سكرة الموت.

* ت *: قال شيخُنَا، زينُ الدين العراقيُّ في أرجوزته:[الرجز]
وَسَكْرَةُ المَوْتِ ٱخْتِلاَطُ الْعَقْلِ   .......................
البيت. انتهى.

وقوله: { بِٱلْحَقِّ } معناه: بلقاء اللَّهِ، وَفَقْدُ الحياة الدنيا، وفراقُ الحياة حَقٌّ يعرفه الإنسانُ، ويحيد منه بأمله، ومعنى هذا الحيد أَنَّه يقول: أعيش كذا وكذا، فمتى فكر حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمان، وهذا شأن الإنسان، حَتَّى يفاجئه الأجل؛ قال عَبْدُ الحَقِّ في «العاقبة»: وَلَمَّا احْتَضَرَ مالك بن أنس، ونزل به الموتُ قال لمن حضره: لَيُعَاينَنَّ الناسُ غداً من عفو اللَّه وَسَعَةِ رحمته ما لم يخطر على قلب بشر، كُشِفَ له ـــ رضي اللَّه عنه ـــ عن سعة رحمة اللَّه وكثرة عفوه وعظيم تجاوُزِهِ ما أوجب أَنْ قال هذا، وقال أبو سليمان الدارانيُّ: دخلنا على عابد نزوره، وقد حضره الموتُ، وهو يبكي، فقلنا له: ما يبكيك ـــ رحمك اللَّه؟! ـــ فأنشأ يقول: [الطويل]

السابقالتالي
2