الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ }: العامَّةُ على ضَمِّ اللامِ، وهو الأصلُ كالرُّبُعِ والسُّدُسِ، وقرأ هشام بإسكانِها تخفيفاً.

قوله: { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } قرأ الكوفيون وابن كثير بنصبِهما، والباقون بجرِّهما. وفي الجرِّ إشكالٌ كما سيأتي. فالنصبُ نَسَقٌ على " أَدْنى " لأنه بمعنى: وَقْتٌ أَدْنى، أي: أقربُ. اسْتُعير الدنُوُّ لقُرْبِ المسافةِ في الزمانِ وهذا مطابقٌ لِما في أولِ السورةِ من التقسيمِ: وذلك أنَّه إذا قام أَدْنَى مِنْ ثُلُثي الليلِ صَدَقَ عليه أنه قام الليلَ إلاَّ قليلاً؛ لأنَّ الزمانَ الذي لم يَقُمْ فيه يكون الثلث وشيئاً من الثلثَيْن، فيَصْدُقُ عليه قولُه: " إلاَّ قليلاً ". وأمَّا قولُه " ونِصْفَه " فهو مطابقٌ لقولِه أولاً " نِصْفَه " وأمَّا قولُه: " وثُلُثَه " فإنَّ قولَه: { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ } قد ينتهي النَّقْصُ في القليل إلى أن يكونَ الوقتُ ثلثي الليلِ. وأمَّا قولُه: { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } فإنَّه إذا زاد على النصفِ قليلاً كان الوقتُ أقلَّ مِنَ الثلثَيْن. فيكونُ قد طابق أدْنى مِنْ ثلثي الليل، ويكون قولُه تعالى: { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } شَرْحاً لمُبْهَمِ ما دَلَّ عليه قولُه: { قُمِ ٱلْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً }. وعلى قراءةِ النصبِ فَسَّر الحسنُ " تُحْصُوه " بمعنى تُطيقوه.

وأمَّا قراءةُ الجرِّ فمعناها: أنه قيامٌ مُخْتَلِفٌ: مرةً أدنى من الثلثين، ومرةً أَدْنى من النصفِ، ومرةً أَدْنى من الثلثِ؛ وذلك لتعذُّرِ معرفةِ البشرِ بمقدارِ الزمانِ مع عُذْر النومِ. وقد أوضح هذا كلَّه الزمخشريُّ فقال: " وقُرِىء نصفَه وثلثَه بالنصبِ على أنك تقومُ أقلَّ من الثلثين، وتقومُ النصفَ والثلثَ وهذا مطابِقٌ لِما مَرَّ في أولِ السورةِ من التخيير: بين قيامِ النصفِ بتامِه، وين قيام الناقصِ منه، وهو الثلثُ، وبين قيامِ الزائدِ عليه، وهو الأَدْنَى من الثلثَيْن. وقُرِىء بالجرِّ، أي: تقومُ أقلَّ من الثلثَيْن وأقلَّ من النصفِ والثلثِ، وهو مطابقٌ للتخييرِ بين النَّصْفِ ـ وهو أَدْنى من الثلثين ـ والثلثِ ـ وهو أَدْنى من النصفِ ـ والرُّبُع ـ وهو أَدْنى من الثلثين ـ والثلثِ ـ وهو أَدْنى من النصفِ ـ والرُّبُع ـ وهو أدنى من الثلث ـ وهو الوجهُ الأخيرُ " انتهى. يعني بالوجهِ الأخير ما قَدَّمه أولَ السورة من التأويلات.

وقال أبو عبد الله الفاسي: " وفي قراءةِ النصب إشكالٌ، إلاَّ أَنْ يُقَدَّر: نصفَه تارةً، وثلثَه تارةً، وأقلَّ من النصفِ والثلثِ تارةً، فيَصِحَّ المعنى ".

قوله: { وَطَآئِفَةٌ } رُفع بالعطفِ على الضميرِ في " يقومُ " ، وجَوَّزَ ذلك الفصلُ بالظرفِ وما عُطِفَ عليه.

قوله: { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلْلَّيْلَ }. قال الزمخشري: " وتقديمُ اسمِه عزَّ وجلَّ مبتدأً مبنيَّاً عليه " يُقَدِّرُ " هو الدالُّ على معنى الاختصاصِ بالتقديرِ ".

السابقالتالي
2