الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ } هذه الآية نزلت ناسخة لما أمر به في أول السورة من قيام الليل، ومعناها أن الله يعلم أنك ومن معك من المسلمين تقومون قياماً مختلفاً، مرة يكثر ومرة يقل، لأنكم لا تقدرون على إحصاء أوقات الليل وضبطها، فإنه لا يقدر على ذلك إلا الله فخفف عنكم وأمركم أن تقرأوا ما تيسر من القرآن { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } من قرأها بالخفض فهو عطف على ثلثي الليل، أي تقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من نصفه وثلثه، ومن قرأ بالنصب فهو عطف على أدنى أي تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه تارة وثلثه تارة { وَطَآئِفَةٌ } يعني المسلمين وهو معطوف على الضمير الفاعل في تقوم { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } الضمير يعود على ما يفهم من سياق الكلام، أي لن تحصوا تقدير الليل، وقيل: معناه لن تطيقوه أي: لن تطيقوا قيام الليل كله { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } عبارة عن التخفيف كقوله:فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [المجادلة: 13] { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } أي إذا لم تقدروا على قيام الليل كله، فقوموا بعضه، واقرأوا في صلاتكم بالليل ما تيسر من القرآن، وهذا الأمر للندب، وقال ابن عطية: هو للإباحة عند الجمهور.

وقال قوم منهم الحسن وابن سيرين: هو فرض لا بد منه ولو أقل ما يمكن، حتى قال بعضهم: من صلى الوتر فقد امتثل هذا الأمر، وقيل: كان فرضاً ثم نسخ بالصلوات الخمس، وقال بعضهم: هو فرض على أهل القرآن دون غيرهم { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } ذكر الله في هذه الآية الأعذار التي تكون لبني آدم تمنعهم من قيام الليل، فمنها المرض ومنها السفر للتجارة وهي الضرب في الأرض لابتغاء فضل الله ومنها الجهاد، ثم كرر الأمر بقراءة ما تيسر، تأكيداً للأمر به أو تأكيداً للتخفيف وهذا أظهر لأنه ذكره بأثر الأعذار { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } يعني المكتوبتين { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ } معناه تصدقوا، وقد ذكر في [البقرة: 45] { هُوَ خَيْراً } نصب خيراً لأنه مفعول ثان لتجدوه والضمير فصل { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } قال بعض العلماء إن الاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثاً ".