الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

بيان آية مبنية على التخفيف فيما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ثم عمم الحكم لسائر المؤمنين بقوله { إن هذه تذكرة } الآية. ولسان الآية هو التخفيف بما تيسر من القرآن من غير نسخ لأصل الحكم السابق بالمنع عن قيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه. وقد ورد في غير واحد من الأخبار أن الآية مكية نزلت بعد ثمانية أشهر أو سنة أو عشر سنين من نزول آيات صدر السورة لكن يوهنه اشتمال الآية على قوله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً } فإن ظاهره أن المراد بالزكاة - وقد ذكرت قبلها الصلاة وبعدها الإِنفاق المستحب - هو الزكاة المفروضة وإنما فرضت الزكاة بالمدينة بعد الهجرة. وقول بعضهم إن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين الأنصباء والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصباء، تحكم من غير دليل، وكذا قول بعضهم إنه من الممكن أن تكون الآية مما تأخر حكمه عن نزوله. على أن في الآية ذكراً من القتال إذ يقول { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } ولم يكن من مصلحة الدعوة الحقة يومئذ ذاك والظرف ذلك الظرف أن يقع في متنها ذكر من القتال بأي وجه كان، فالظاهر أن الآية مدنية وليست بمكية وقد مال إليه بعضهم. قوله تعالى { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه } إلى آخر الآية. الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي التعبير بقوله { ربك } تلويح إلى شمول الرحمة والعناية الإِلهية، وكذا في قوله { يعلم أنك تقوم } الخ مضافاً إلى ما فيه من لائحة الشكر قال تعالىوكان سعيكم مشكوراً } الإسراء 19. وقوله { تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه } { أدنى } اسم تفضيل من الدنو بمعنى القرب، وقد جرى العرف على استعمال أدنى فيما يقرب من الشيء وهو أقل فيقال إن عدتهم أدنى من عشرة إذا كانوا تسعة مثلاً دون ما لو كانوا أحد عشر فمعنى قوله { أدنى من ثلثي الليل } أقرب من ثلثيه وأقل بقليل. والواو العاطفة في قوله { ونصفه وثلثه } لمطلق الجمع والمراد أنه يعلم أنك تقوم في بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل وفي بعضها نصفه وفي بعضها ثلثه. وقوله { وطائفة من الذين معك } المراد المعية في الإِيمان و { من } للتبعيض فالآية تدل على أن بعضهم كان يقوم الليل كما كان يقومه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل { من } بيانية، وهو كما ترى. وقوله { والله يقدر الليل والنهار } في مقام التعليل لقوله { إن ربك يعلم } والمعنى وكيف لا يعلم وهو الله الذي إليه الخلق والتقدير ففي تعيين قدر الليل والنهار تعيين ثلثهما ونصفهما وثلثيهما، ونسبة تقدير الليل والنهار إلى اسم الجلالة دون اسم الرب وغيره لأن التقدير من شؤون الخلق والخلق إلى الله الذي إليه ينتهي كل شيء.

السابقالتالي
2 3 4