الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الفريق الثاني والجملة في مقابلةوَمَا لَهُ فِى ٱلأَخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ } [البقرة: 200] والتعبير باسم الإشارة للدلالة على أن اتصافهم بما سبق علة للحكم المذكور ولذا ترك العطف هٰهنا لكونه كالنتيجة لما قبله، قيل: وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى علو درجتهم وبعد منزلتهم في الفضل، وجوز أن تكون الإشارة إلى كلا الفريقين المتقدمين فالتنوين في قوله تعالى: { لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ } على الأول: للتفخيم وعلى الثاني: للتنويع أي لكل منهم نصيب من جنس ما كسبوا، أو من أجله، أو مما دعوا به نعطيهم منه ما قدرناه، و ـ من ـ إما للتبعيض أو للابتداء، والمبدئية على تقدير الأجلية على وجه التعليل، وفي الآية على الاحتمال الثالث وضع الظاهر موضع المضمر بغير لفظ السابق لأن المفهوم منرَبَّنَا ءاتِنَا } [البقرة: 201] الدعاء لا الكسب إلا أنه يسمى كسباً لأنه من الأعمال وقرىء (مما اكتسبوا).

{ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }. يحاسب العباد على كثرتهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا، وروي بمقدار فواق ناقة، وروي بمقدار لمحة البصر أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب الناس فبادروا إلى الطاعات واكتساب الحسنات، والجملة تذييل لقوله تعالى:فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ } [البقرة: 200] الخ والمحاسبة إما على حقيقتها كما هو قول أهل الحق من أن النصوص على ظاهرها ما لم يصرف عنها صارف، أو مجاز عن خلق علم ضروري فيهم بأعمالهم وجزائها كماً وكيفاً، ومجازاتهم عليها.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ } بيوت قلوبكم من طرف حواسكم ومعلوماتكم البدنية المأخوذة من المشاعر فإنها ظهور القلوب التي تلي البدن { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } شواغل/ الحواس وهواجس الخيال ووساوس النفس الأمارة { وَأْتُواْ } هاتيك { ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَٰبِهَا } التي تلي الروح، ويدخل منها الحقوَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [البقرة: 189] عن رؤية تقواكم لعلكم تفوزون به { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } من قوى نفوسكم ودواعي بشريتكم فإن ذلك هو الجهاد الأكبر { وَلاَ تَعْتَدُواْ } بإهمالها والوقوف مع حظوظها أو لا تتجاوزوا في القتال إلى أن تضعفوا البدن عن القيام بمراسم الطاعة، ووظائف العبودية:
فرب مخمصة شر من التخم   
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [البقرة: 190] الواقفين مع نفوسهم أو المتجاوزين ظل الوحدة وهو العدالة { وَٱقْتُلُوهُمْ } حيث وجدتموهم أي امنعوا هاتيك القوى عن شم لذائذ الشهوات والهوى حيث كانوا { وَأَخْرِجُوهُمْ } عن مكة الصدر كما أخرجوكم عنها واستنزلوكم إلى بقعة النفس وحالوا بينكم وبين مقر القلب وفتنتهم التي هي عبادة الهوى والسجود لأصنام اللذات أشد من الإماتة بالكلية أو بلاؤكم عند استيلاء النفس أشد عليكم من القتل الذي هو محو الاستعداد وطمس الغرائز لما يترتب على ذلك من ألم الفراق عن حضرة القدس الذي لا يتناهى { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وهو مقام القلب إذا وافقوكم في توجهكم حتى ينازعوكم في مطالبكم ويجروكم عن دين الحق ويدعوكم إلى عبادة عجل النظر إلى الأغيار فإن نازعوكم { فَٱقْتُلُوهُمْ } بسيف الصدق واقطعوا مادة تلك الدواعي

السابقالتالي
2 3