الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَىَّ مِن رَّبِّى }. معطوفة على جملةوأعرض عن الجاهلين } الأعراف 199 والمناسبة أن مقالتهم هذه من جهالتهم والآية يجوز أن يراد بها خارق العادة أي هم لا يقنعون بمعجزة القرآن فيسألون آيات كما يشاءون مثل قولهم فجر لنا من الأرض ينبوعاً وهذا المعنى هو الذي شرحناه عند قوله تعالىوأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمنن بها } في سورة الأنعام 109. وروي هذا المعنى عن مجاهد، والسُدي، والكُلبي ويجوز أن يراد بآية ءاية من القرآن يقترحون فيها مدحاً لهُم ولأصنامهم، كما قال الله عنهمقال الذين لا يرجون لقاءنا ائْتِ بقرآن غير هذا أو بَدلْه } يونس 15 روي عن جابر بن زيد وقتادة كان المشركون إذا تأخر الوحي يقولون للنبي هلا أتيت بقرآن من عندك يريدون التهكم. و { لولا } حرف تحْضيض مثل هلا. والاجتباء الاختيار، والمعنى هلاّ اخترت آية وسألت ربك أن يعطيكها، أي هلا أتيتنا بما سألناك غير آية القرآن فيجيبك الله إلى ما اجتبيتَ، ومقصدهم من ذلك نصب الدليل على أنه بخلاف ما يقول لهم إنه رسول الله، وهذا من الضلال الذي يعتري أهل العقول السخيفة في فهم الأشياء على خلاف حقائقها وبحسب من يتخيلون لها ويفرضون. والجواب الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجيب به وهو قوله { قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي } صالح للمعنيين، فالاتباع مستعمل في معنى الاقتصار والوقوف عند الحد، أي لا أطلب آية غير ما أوحى الله إلي، ويعضد هذا ما في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مَا من الأنبياء إلا أوتي من الآيات مَا مثلُه آمنَ عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " ويكون المعنى إنما انتظر ما يوحى إلى ولا أستعجل نزول القرآن إذا تأخر نزوله فيكون الاتباع متعلقاً بالزمان. { هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. مستأنفة لابتداء كلام في التنويه بشأن القرآن منقطعه عن المقول للانتقال من غرض إلى غرض بمنزلة التذييل لمجموع أغراض السورة، والخطاب للمسلمين. ويجوز أن تكون من تمام القول المأمور بأن يجيبهم به، فيكون الخطاب للمشركين ثم وقع التخلص لذكر المؤمنين بقوله { وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }. والإشارة بــــ { هذا بصائر } إلى القرآن، ويجوز أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من السورة أو من المحاجة الأخيرة منها، وإفراد اسم الإشارة لتأويل المشار إليه بالمذكور. والبصائر جمع بصيرة وهي ما به اتضاح الحق وقد تقدم عند قوله تعالىقد جاءكم بصائر من ربكم }

السابقالتالي
2