الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }

{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي: اجتمعوا لحسابه وقضائه يوم القيامة في براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحداً، أو برزوا من قبورهم أي: ظهروا لذلك { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ } وهم الأتباع { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } أي: على الرسل وهم قادتهم - توبيخاً لهم - { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } أي: تابعين، مهما أمرتمونا ائتمرنا { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي: بعض الإغناء. { قَالُواْ } أي: المستكبرون { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } إحالةً، لضلالهم وإضلالهم، على مقامه سبحانه، أو هدانا باهتدائنا، ولكن زغنا فأزاغنا كما قال تعالى:فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5] { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي: مَنجى ومهرب من العذاب؛ ونظير الآية قوله تعالى:وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [سبأ: 31].

واستظهر ابن كثير هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها لآية:وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } [غافر: 47].

ولا يخفى أن الآية في هذه السورة تصدق بالتخاصم في الموقف وفي النار، لإفادتها أن ذلك أثر بروزهم، وهو صادق بما ذكرنا، فلا قرينة فيها لكون ذلك في النار فقط، كما ادّعاه. وربما كان قوله: { وَبَرَزُواْ } يدل للموقف بمعناه المتقدم. ثم إن هذا التخاصم يجوز أن يكون متعدد المواطن لظاهر قوله: { عِندَ رَبِّهِمْ } وقوله: { فِي ٱلنَّـارِ } ويجوز أن يكون مرة واحدة. والمراد بـ { ٱلنَّـارِ } العذاب. ووقوفُهم عند ربهم، واليأس محيط بهم، وجهنم ترقبهم، عذاب وأيّ عذاب!